رواية هرارة الرماد روايات رومانسية جزء ١٨- أدب عربي - أنامل عربية

  

رواية هرارة الرمادجزء ١٨- أدب عربي - أنامل عربية
رواية هرارة الرماد 


 رواية هرارة الرماد الحلقة الأخيرة... 

كان لرحيمة أخ من أمها وثلاثة من أبيها من زوجة أخرى تزوجها الفقيه بعد وفاة أمها. توفي الفقيه إثر نطحة ثور وأوصى ابنه الأكبر مسعود أن يعتني بأخته رحيمة. 

أقبل خال ريحانة مسعود بثوبه المغبر. كان قصير القامة معروفاً بانعدام مروءته يعشق المال ولا يبالي بأحد. وصل مع غروب الشمس وكأن ذلك الغروب قد تمثل في تفاصيل حضوره. استقبلته العنقاء عند الباب ودفعت له قرشاً فضياََ وهمست في أذنه:

- ستكون وكيلاً شرعياً لريحانة في عقد قرانها. 


رواية هرارة الرماد "بئس الوكيل الشرعي"

دخل الوكيل الشرعي نافخاً صدره كديك رومي كهل. ثم وقف أمام باب الديوان ليرى ريحانة نظيفة ترتدي عليها أجمل الثياب، فتراجع إلى الخلف منادياً:

- الله، الله 

معتقدا أن فتاة غريبة موجودة في بيت العنقاء! 

فتداركت الأمر الطفلة مالكة موضحةً بسخرية:

- إنها ريحانة يا خال، ادخل لا تخف. 

دخل مبهوراََ بما يراه من جمال يسلب اللب، ونور يأسر القلب، وحياء يخطف الفؤاد فقال متظاهراً بالرجولة المكتملة والمروءة العامرة:

- لا تخافي، سأكون كأبيك ولن أخذلك أبدا

ابتسمت ريحانة ابتسامة استهجان فهي تعلم أن من خذلها طوال حياتها القاسية لن يأتي اليوم لنصرتها. كانت تعلم أنه قد قبض الثمن ولم يكن يهمها قدره فهي تعلم أن لا قدر لها عنده. 


رواية هرارة الرماد وقد طفح الكيل

وجن الليل ، وإذا بطرقات قوية تكاد تخلع باب مسعود. حمل مسعود فانوسه يتحسس الدرج بقدميه متوجساً خيفة من تلك الطرقات الغاضبة:

- من بالباب؟ 

-أنا مسلم أخوك، افتح يا مكسور الناموس! 

فتح الباب فدفعه مسلم وصعد وقد رفع ثوبه على جنبيته ليتسنى له شق الطريق بسرعة وخفة وناداه من أعلى الدرج:

- اصعد يا مخزي لنتفاهم..! 

- ترى هل بلغه أمر ريحانة! تمتم مسعود بحذر..

صعد مسعود حذراً من هجمة قوية تلوح في ملامح مسلم المفعم بالمروءة  وجلس مقابلاً له ينتظر منه أن يبدأ بالكلام ليتأكد ما إذا كان قد علم بالأمر أم لا. 

- صيتك على كل لسان يا عاقلنا، فضيحتك في كل بيت يا ابن الفقيه.

 اقرأ أيضا :"قصة جولة حول الكعبة قصص قصيرة". 

- صيتي في كل بيت! ماذا فعلت! 

- كم قبضت من بنت الشيخ قلي لتبيع البنت للسائل الأحدب الغريب! 

هنا أدرك مسعود أن أم علي لها يد في الموضوع لأنها لا تفارق بيت العنقاء فحاول أن يراوغ فقاطعه مسلم مباشرة مشيراً إليه بسبابته لدور حواراََ كاشفاََ للمعادن بين الاثنين:

- اسمع يا مسعود، أقسم بمن رفع السبع ووضع السبع أني لو علمت أن أحد من وصاب سيزوج ابنته لرجل كالأحدب لقتلته. 

- يا أخي افهم قبل أن تتكلم، ابنة أختك عانس؛ زاد عمرها عن الخمسة عشر عاماََ ومجذوبة وسمعة أمها… 

- اخرس، اخرس يا منزوع الرجولة، أثق أن رحيمة ميتة وستثبت الأيام لك هذا...رحيمة الطاهرة التي لم تخطأ في صباها قط، هل يعقل أنها تخطئ في نضجها! 

- من تنتظر يا مليح بيت الفقيه ليأتي ليصاهرك؟ الأمير محمد مثلاً ...أنت تعلم أن ريحانة عانس ومجذوبة وأبوها مجنون وأمها مختفية! 

- ريحانة ليست مجذوبة إنما مغلوبة، بل قبضت الثمن يا سفيهنا وأقسم لك بالله إن حاولت تنفيذ ما تود العنقاء فعله لقتلتك وقتلتها وهذا إنذار واضح مني، اجعله حلقة في أذنك. 

ثم توجه مسلم إلى الدرج سريعاً وهو يتمتم بحرقة:

- صبرنا عليك وعلى حمقك بما فيه الكفاية… أربعة رجال وعجزنا عن حماية صبية…!

وخرج متجها إلى دار العنقاء يردد في الطريق:

- سود الله وجوهكم يا ظالمين.. سود الله وجوهكم كما سود أنفسكم. 

وبينما العنقاء تسامر ريحانة وكأنها الأم الحنونة، إذا بركلة قوية على الباب وصوت مسلم يدوي الفيافي والقفار. كانت الكلاب تنبح كأنها تشاركه غضبه. 

نزلت العنقاء سريعاً فتحدث إليها بصوت عال ليسمع كل من في الجوار سبب مجيئه ليلاً، قبل أن ترميه بما هو بريء منه كعادتها:

- والله يا بنت الشيخ مفرح أني سأفضحك، وسأكشف للناس كل مكائدك، والله إن موتك سيسبق مصاهرة الأحدب. ومن كذّب جرّب! 

ثم انصرف وهي مبلودة في مكانها متسمرة على عتبتها لم تجرؤ على النطق ببنت شفة! 

شعرت ريحانة بغبطة تعمر صدرها، لكن المخاوف بدأت تغزوها. فالأحدب هو الأمير، والعنقاء تمسك عليها سر قتل أمها، شعرت ريحانة أن الأمور تتعقد على الرغم من موقف خالها الذي بعث فيها الروح من جديد. 

وسرعان ما استعادت عنقاء ملامحها الخبيثة من جديد. اقتربت من ريحانة بهدوء والغيظ قد غدا حنشانا زرق على جبينها محذرةً:

- حسناً يجب عليك منعه من التدخل وإلا سأخبر الجن والإنس بخبر قتلك لأمك. 

واتجهت بغيظها تحمل أوزاراً على ظهرها المحني بوجه مسود كظيم. ظلت مالكة تتأمل في جمال أختها بإعجاب؛ فنادتها العنقاء بصوت كالرعد لتركض إليها سريعاً وتترك اختها وحيدة. 

ظهر دافع ونافع للريحانة وقال لها نافع:

- اذهبي ونامي يا عروس واتركي الباقي علينا سنحاول حل كل العقد لا تخافي. 

- لكني قتلت أمي، وابي مجذوب لا يستطيع حمايتي وخالي لن يقبل بزيجة كهذه والدماء تجري في عروقه! 

 ضحك دافع وقال لها:

- لا تقلقي.. أبوك قرأ حرز كان الشيخ قد طلب من ابنته دسه بين الصخور لحمايتها من الجن… 

- سنتولى أمر الحرز قومي بقراءة القران في قدر فيه ماء وملح وضعيه في سطوح الدار. 

نظرت إليهم بتعجب وهم يتحدثون عن أمر الحرز ذاك فأكمل نافع ما بدأه أخاه:

- نحن الجن لا نقارب الملح.. فقومي بعمل المحو وسنقذف نحن الحرز فيه. 

نهضت ريحانة وعرجت على أطراف أصابعها إلى المنداد وجهزت الماء المقروء مخلوطاً بالملح  ثم وضعته في سطوح الدار وإذا بالحرز يرمى في الماء! 

وأشرقت الشمس، على العنقاء وقد أصابها شلل نصفي عاجزة عن الحركة لا تستطيع النطق بكلمة واحدة! 

عجزت الريحانة عن التصرف فركضت باتجاه الباب لتستدعي الحكيمة أم علي، فوجدت أبيها على عتبة البيت رث الثياب متسخاً واقفاً أمامها يكاد يطرق الباب. 

شعرت ريحانة أن للشمس شمس أخرى أمامها، وأن للعرس عرس في عيني أبيها. ظلت تحدق في وجهه الذي تلاشت منه ملامح الجنون وقد زحف الفجر إلى فؤادها ليفجر الصبح بين أضلاعها بدلاََ من السماء. 

احتضنته بكل ما تحمله من شوق، بكل ما يحتويه قلبها من وجع احتضنته ثلجا من حب؛ ودفئ من أمان وظلت تبكي وتبكي لا تتسع الأرض لسعادتها.. 


رواية هرارة الرماد وعودة نصير إلى مجلسه

وفي عصر ذلك اليوم ، وصلت أم علي لتجد نصير متزيناََ مخزناََ في مجلسه مكحلاََ لا تشوبه شائبة!

 تعجبت من الأمر وحاولت أن تفهم مدفوعة بفضولها القاتل لكن ريحانة سحبتها إلى الغرفة لتقوم بفحص العنقاء.. 

وبعد محاولات يائسة، لم تتعرف أم علي على سبب الفالج فهي متطببة وليست بطبيبة، ونصير وابنته ينتظران منها وصف عشبة لعلاجها! 

عجزت الفضولية عن كشف دائها ودوائها فلم تجد مخرجاً غير رمي الجن بالتهمة؛ فقد كان الجن ملاذاً آمناً لكل دجال كذاب. ومخرجاً قوياً لكل مزيف لا يملك حجة ولا برهان. اقتربت وقد عقدت حاجبيها بثقة من الريحانة وهمست بصوت منخفض:

- إقتربي لأخبركِ سراََ… كان للعنقاء صاحب من مردة الجن في الهند.. 

حبست ريحانة فيضاناً من الضحك وأجابت متظاهرة بالاهتمام:

- هكذا إذا…! 

- نعم أقصد ما أقول فلا تتعجبي لقد كان يأتي لها بالحبهان والنعناع من الهند ووعدته أن لا تكشف سره لأحد. 

- هه.. ثم ماذا يا عمتي أم علي! 

- هو من قام بخطف أمك وإحداث الضرر في عقلك وعقل إبيكِ.

- هل أنتِ متأكدة مما تقولينه أم علي؟ 

- نعممم …يبدو أنه عاقبها لأنها أفشت سره واخبرتني. هشششش.. لا تخبري أحد بهذا الحديث يا ابنتي ستركم الله. 

لمعت عينا ريحانة ثم ابتسمت إبتسامة من يجد ظالته؛ فهي تعلم أن ما بالعنقاء هو فالج أصابها من شدة الغيظ. كانت ريحانة تنوي الإعتراف بما حدث لأمها أمام الملأ لكن العجوز رمت لها بخيط النجاة ثم غادرت. 

فإن من حسن الظن ما يجعل الإنسان مجرماً وإن من الكيد ما يمحو الخطايا. 

وفي صباح اليوم التالي؛ انطلق مسلم وشعيب إلى دار الشيخ مفرح ليحذرانه من مغبة ما سيحدث إذا نفذت ابنته تلك الزيجة. 

لم يكن قد وصلهم بعد خبر تشافي نصير والفالج الذي أصاب العنقاء. ولم يأتي عصر ذلك اليوم إلا وأخوة رحيمة والشيخ مفرح وخمسة من أولاده عند دار نصير.

 تفاجئ الجميع أن نصير من قام بفتح الباب لهم، كان المشهد كالصاعقة لكنهم شعروا بسرور في الوقت ذاته. 

وفي المجلس دار حوار طويل بينهم ليقف مسلم ويتحدث بصوت جهور:

- العدالة يا شيخ مفرح لا تخطئ الطريق وإن تأخرت ولعل ما حدث لابنتك هو سحر ساحر قد ارتد على صاحبه! 

أحزن الشيخ من ما قاله مسلم وظل ساكتا فهو يعلم ما لا يعلمه مسلم .. وقف بينهم نصير موزعاً كلماته عليهم جميعاً:

-أشكر فزعتكم اليوم مع ابنتي، والله إن أسمائكم لتكتب بماء الذهب… واحب أن أقول لكم اليوم أن الأحدب الغريب هو ابن الحاكم.. الأمير محمد. 

تفاجأ الجميع مما يقوله نصير، وما بين الشك والتصديق دار حوار ولغط في مجلس نصير بينما كان الأمير محمد يشق موكباً ملكياً ضخماً مع كبار الأعيان و المشائخ والنساء المهاديات في قافلة طويلة. 

ظل أخوة رحيمة في منزل نصير وعاد الشيخ مفرح وأولاده بابنتهم العنقاء بعد أن استبرئ منها نصير وطلقها دون أن يلومه على فعلته تلك. 

وصل الموكب الملكي.. وحضر معهم القاضي والشهود وملأت القرية بحرس الحاكم وكثير من الرجال الأشداء ودخل الأمير لابساً ثوب عرسه متحزماََ بحزام الرصاص حاملاً سيفاً على كتفه مرصع بالياقوت والزبرجد. 

وماهي إلا لحظات وملأت النساء دار ريحانة وعلا صوت الرصاص ترحيباََ بالأمير واحتشد الرجال في الديوان والنساء حول ريحانة في الغرفة. 

وقف الأمير وحاول التبرير لنصير ما بلغه من خبر جنونه فقاطعه نصير:

- قد فك الله كربنا،،، قبلناك صهراََ كما قبلتنا بعيبنا. 

أصرّ الأمير أن يسمع من ريحانة قولها بنفسه فدخل نصير مع أخوالها الثلاثة إلى غرفتها لسؤالها. 

فطلبت منهم إغلاق الباب فأغلقوه… ثم اعترفت لهم بكل ما حدث من أمر دفعها لأمها. 


رواية هرارة الرماد والقصاص العادل

بادر أبوها يحاول عتقها من غضب أخوالها:

- طفلة رفع رب العرش عنها قلمه فكيف ندينها! 

والتي غررت بها فذاك جزاؤها قد قضي دينها.. 

ثم وعدهم إن يدفع ديتها من حر ماله وأن يبقى الموضوع مجرد حادث عرضي...اقترب منه شعيب وقال له:

- أما اختي فقد ماتت ونحمد على على ظهور براءتها.. 

وأما ريحانة فهلاكنا رجلاً رجل خيراً لنا من تسليمها لقصاص مجحف. 

أكمل مسلم حديث أخيه:

- سنكمل العرس ثم نبحث عن جثمانها ونقيم العزاء وليبقى حديث هذه الغرفة سراً بيننا. 

وعلى الرغم أن خبر موتها كان ناحراً لقلوبهم إلا أنه كان بلسما لذلك العار الذي لحق بهم منذ اختفائهاوخرج الجميع لا تمام عقد القران معهم الفتاة لتنطق بالموافقة. 

وقبل أن يمد الأمير يده، همس نصير في أذن شاهد:

- أين أخاك مسعود؟ 

- مربوط في البيت.. 

- وهل يعقل أن تربطوا كبيركم 

- لو كان كبيراً لما تجرأنا على ذلك، دعنا الآن نتم ما بدأناه ثم ننظر في أمره لاحقاً. 

ثم تم عقد القران لتملأ الاحتفالات القرية كلها. وبدأ الموكب المكون من كل أهل القرية الذين احتشدوا كلا منهم يدعي قرابته بنصير. 

وبدأ العرس بحضور حرس الأمير وكبار الوجهاء و المشائخ وشقوا درب موكبهم  في طرقات الجبال يحملون الفوانيس لتبدو كنجوم في شعاب الوديان تتلألأ. 

اشتعلت سماء القرية بصوت رصاص زفتها وهي تطلق في السماء احتفالا بمصاهرة ابن الحاكم . وانتشر خبر زواج الأمير من ابنة نصير مثل النار على الهشيم.. 

وأصبح في اليوم التالي؛ أخوة رحيمة وزوجها نصير يبحثون في أسفل الوادي على رفاتها ليجدوه عظاماً مكسيةً بثوبها ولازال خاتمها على إصبعها. 

اجتمعت القرية كلها في صلاة جنازتها وتشييع جثمانها ودارت بين المشيعين أحاديث الندم على إفك افتروه في عرضها وجهلاً اقترفوه في حقها.  

وأما أم علي فظلت تدور في الديار تخبر الناس بقصة العنقاء المشؤومة... 

" قصة المارد الهندي الذي صاحب العنقاء وسلب عقل نصير وابنته وقتل رحيمة؛ وكيف قام بصفعها عندما أفشت سره صفعة أقعدتها إلى آخر عمرها "

وظل كل من يسمع أحاديثها يوماً، تُسمّع به الناس يوماً آخر فمن لا يربيه القلم يربيه الألم. ومر عام كامل على زفة الريحانة التاريخية وانجبت ريحانة توأمان فأسمتهما مسلم وشعيب . 

أما الشيخ مفرح فأخذ ابنته للعلاج في الحديدة في دار أحد اخوتها هناك ومعها أم علي لخدمتها؛ فالمكر السيئ لا يحيق إلا بأهله. 

اقرأ ايضا قصة شخص لا يشيب

تزوج نصير من امرأة طيبة وأنجبت له ثلاثة أبناء ذكور أشداء كرماء وختم ذريته بفتاة جميلة أسماها رحيمة ليستعيد داره الرحمة من جديد. 

  

    النهاية...


رواية هرارة الرماد بقلم الأنامل اليمنية

"زبيدة شعب" 

3 تعليقات

رأيك يهمنا

  1. نهاية جميلة... منصفة للغاية.. سلمت اناملك احلى كاتبة زبيدة... احلى اخت وزميلة ❤️

    ردحذف
    الردود
    1. أجمل نهاية لقصة رائعة سلمت يمينك
      واتمنى لك دوام التقدم والعطاء (أم يزن)

      حذف
  2. سلمت أناملك احب النهايات السعيده برافو

    ردحذف
أحدث أقدم