لا بأس من حين لآخر أن تتخلى عن بعض الصداقات والأمور التي تزعجك، تماما كما تنثر الأشجار أوراقها استعدادا لربيع جديد، هيا لنتعرف على تالين من خلال قصة أوراق الخريف.
قصة أوراق الخريف
![]() |
أوراق الخريف |
وقتها لم أجد إجابة شافيه عما يدور في رأسي من تساؤلات غير أني حملت حقيبتي وانصرفت، عبثا حاولتْ استرضائي وطلبت مني أن أتمهل وأشاركها في إعداد القهوة، لكني لم أستجب، شعرت أن القهوة ماهي إلا وقت مستقطع لكي تختلق أكذوبة تغطي بها على تصرفها الأحمق الأناني.
حقيقة لم أشعر في حياتي بمثل هذا القدر من الاشمئزاز الممزوج بالألم، تلك الإنسانة التي كنت أحسبها صديقتي الصدوقة وطالما شاركتها أدق التفاصيل عني وعن عائلتي، لم أتخيل يوما أن تحمل في طياتها هذا القدر من الحقد والكره الغير مبرر.
قصة أوراق الخريف وصدمة على حين غرة
وحدها نسمات الخريف التي داعبت وجنتاي كانت السبب في توقف الدموع التي اغرورقت بها عيناي، مسحت دموعي وتظاهرت بالثبات، لكن من داخلي تمنيت لو أني في منزلي لكي أرتمي على الأريكه وأطلق دموعي في صمت.
تسارعت خطواتي نحو اللاشيء فكرت أن أعبر الطريق وألقي نظرة على السوق، من يدري لربما ذهبت تلك الوحشة والإحساس بالخيانة، تساقطت الأوراق من حولي مثل أحلامي التي تهاوت الواحدة تلو الآخرى.
ليتني لم ألتقيك قط يا رفيف، أتصور حياتي مثالية بدونك، لكنك وكأفعى تسللت بخفة ونجحت في التواجد بقوة.
لم أعد أكترث للعميل الذي نجحتي في ضمه للشركة المنافسة ولا حتى المبلغ الذي خسرته ولا خطاب الطرد الذي جاء مبررا من المدير العام، كل ما كان يدور بخلدي أنك بريئة ولربما هناك سوء فهم.
صباحا ارتديت ملابسي وتوجهت في حنق إلى مكتب المدير العام ورفعت صوتي، ليس لأجل خطاب الرفد المفاجئ بل لأبرهن له أنكِ بريئة، من المُحال أن تقومي بكل التهم التي كالها بحزم وشدة لكِ، لكنه اكتفى بتوجيه هاتفه نحوي ورأيت بأم عيني صورة العميل في حفل التوقيع وبجواره أنتِ بابتسامةٍ خبيثةٍ لم أرها منك مسبقا، أخبرني أن مادلين وظفتك في شركتها بعدما نجحتِ ببراعة في إقتناص العميل الذي لطالما لهث هو لإسترضائه وضمه.
قصة أوراق الخريف وضيق النفس
ضاقت عليا الأرض بما رحبت وضاقت نفسي فارتميت على وقع الصدمة على الكرسي المقابل لمكتبه، هذه أول مرة أشعر بأحاسيس متضاربة، لو فر هذا العميل دون فعلة رفيف لكنت الآن أسعد مهندسة على وجه البسيطة لأنه ضيق الأفق لن يفلح بأي حال، أنا لدي الحاسة السادسة وأعرف هيئة الفاشل من أول جملة ينطقها صدق حدسي في مرات عديدة وأكاد أجزم أن هذا العميل بلا ريب من زمرة الفاشلين لن يمر العام قبل أن يغير نشاطه أو يتم الزج به إلى غياهب السجون.
لم أهتم عندما نعتني المدير العام بالحمقاء وقال بالحرف الواحد: " تلك التي تدافعين عنها لطالما تحدثت عنكِ بما لا يليق وقت التدريب المجاني الذي قدمتيه لها في شركتي على طبق من فضة بدلا من أن تحفظ الجميل قامت بسرقة تصاميمك وقدمتها لشركة مادلين ، أفيقي من غفلتك، اليوم خسرتي عملك، لكن صحبة تلك الفتاة من الممكن أن تقودك إلى الهاوية".
قصة أوراق الخريف ومواجهة مع رفيف
انصرفت باحثة عنكِ، لم تهدأ نفسي إلا عندما وجدتك، نظرة عينيك كانت كفيلة بإسكات نفسي التي طالما دافعت عنكِ وقدمتكِ وآثرت رضاكي، تبا لك يا رفيف أأنت حقا عدوة؟ هل أنا ساذجة لهذا الحد؟
تطلع عقلي بقول نعم، عقب رؤيتي لأوراق مشروعي الذي سهرت عليه خمسة أشهر كامله مبعثرة على مكتبك.
ما أرخصك يا رفيف، أهذا ثمنك مخطط مشروع بمئتي ألف، ترى كيف ستكملين مسيرتك، هل ستبحثين عن ضحية أخرى؟
لم يفلح دخول السوق ولا التجول في التخفيف عن نفسي، تلك المقهى جلست أنا وهي نندب حظنا ذات يوم عندما ضاعت منحة المؤسسة الكندية، وهذا المتجر ابتعنا منه معطفي الصوفي، وذاك الممشى تسابقنا فجرا لنرى من سيصل أولا ويحصل على السمك طازجا.
عدت أدراجي، حاولت أن أهاتف كمال فأنا أحتاج إليه بشده، لكنه لم يجب على اتصالي، لا أعلم ما الذي دفعني للتفكير أن المشروع ليس فقط ما سرقته رفيف، بل لربما تسللت ببراعة لتلتف حول كمال أيضا، لقد حضرت معي حفل عيد مولده وعندما أعطته الهدية لمعت عينيها بنفس الابتسامة، أيعقل أن الصفعة التالية ستدور حول كمال، لا ضرر من التريث
ريثما أتبين الطريق، هذه أول مرة أشعر فيها بأنني فقدت بصيرتي، دموع العالم لا تكفي للتعبير عن نفسي، قد يكون الحل الوحيد أن أستسلم وأحبس نفسي في غرفتي وأنسحب من الحياة بعد هزيمتي النكراء، وقتها سوف يزداد وزني كفيل من شرق آسيا، بالطبع سوف أخسر ثلاثة أطنان من المناديل ناهيكم عن عيناي التي ستفقد نورها في
المقابل سأحصل على نظارة طبية وبعض أدوية للاكتئاب وربما فكرت في قتل نفسي، لكن هل هكذا أكافئ نفسي ومن حولي على خيانة رفيف؟ هل يستحق خطيبي كمال كل هذا؟ فكرت كثيرا وأخذت أراجع نفسي في مصيري المجهول الذي سوف أدخله لكي أعبر عن استيائي، لكن مَنْ ألزم الضحية بدفع الثمن؟
إذا أعملت عقلي فلا يحق لي القلق أبدا ولا حتى الانكسار عاملت رفيف بكل ود وحب وصفاء نفس إذا بادلت هذا بعكسه فلا يعني أن أندم بل يجب أن أثق أن جزائي سيكون إحسانا ليس من قِبل رفيف فلن يجود الصخر بالماء بل من طريق آخر الإحسان جزاؤه الإحسان.
![]() |
فتاة تتأمل |
قصة أوراق الخريف وحقيقة الخاطب كمال
حتى المشروع الذي سرقته طالما اعتبرته فاشلا وكنت أعمل فيه بضغط من المدير العام، حمدلله رأسي ما زالت تعج بآلاف الأفكار؟
لكني في الرابعة والثلاثين من يدري لربما لن أحظى بخطيب مثل كمال، وأقضي بقية أيامي أعاني من الوحدة، لطالما حلمت بحفل زفاف هادئ وبسيط وحياة مستقرة مع زوج يقدرني ويكون والدا مثاليا عطوف، لكن كمال لا أراه سوى أحمق، غبي، شحيح، ضيق الأفق محدود الطموح، لكن مصنف على أنه رجل بدلا من نظرة الشماته التي كانت تطاردني من نساء عائلتي في الأعراس.
قصة أوراق الخريف وحسم مصير كمال
مر أسبوع كامل لم يكن صعبا، صارحت والدي بكل شيء وشجعتني أختي على المضي قدما، لم أشعر بأي ندم أو ضيق حتى بعدما طلبت من والدي أن يعيد خاتم كمال إليه، هو صفحة طويتها بكامل رغبتي، هل يستحق كمال أن أقاتل من أجله؟
من السهل علي أن أضع بعض المساحيق وأقصر ثيابي وأطلق الضحكات الماجنة وأشارك صوري على مواقع التواصل الاجتماعي وأتظاهر بعدم الاكتراث وقتها سيعود سريعا مثل الكلب الأجرب، لكن هل حقا نوع كمال يستحق أن أتخلى عن طبعي وما تربيت عليه من الحشمة؟
بالطبع لا هو بالنسبة لي مجرد خطيب تقدم في الوقت المناسب، لكني لم أشعر يوما بأي انجذاب نحوه وحدها رفيف مَنْ كانت تنظر إليه بإعجاب بعد طلاقها، لا يروقني أبدا عيناه الضيقة وشعره المجعد، لم يكن بحال من الأحوال فتى أحلامي ولا حتى شبيهه.
هل أكافئ نفسي على خيانة رفيف بأن استسلم وأظل باكية كسيرة القلب؟ أثق أن ماحدث لي وإن كان في ظاهره الألم إلا أنه الخير، فقط أحتاج مزيدا من ربط الجأش والشجاعة.
من الجيد أن أنظر للنصف الممتلئ من الكوب إذا ذهب كمال فربما أتى من هو خير منه، لطالما أردت رجلا حنونا شهما بمعنى الكلمة يتحمل المسؤولية ويراني أجمل النساء، لا تجذبه ابتسامه خليعه ولا يلهث خلف الفتيات.
إذا ذهب كمال مدفوعا بإغواء رفيف ما الذي يمنعه من الإنجذاب لأخرى مدفوعا بمقومات مختلفة، من ينجذب لكل أنثى هو أسوء أنواع الرجال، ذلك الشره لكل أنثى بها روح حتى المتردية والنطيحه هو أحط الرجال، المُحب المُخلص نقي السريرة لا يتحرك قلبه سوى لمعشوقته، لا يزحزه عن حبها دافع ولا حتى فستان مكشوف أو سيقان عارية، لابد أن هذا الصنف موجود في مكان ما.
لطالما كنت خجولة بعيدة عن الفتيان منتظرة لشخص واحد أحبه من المؤكد أن من بين الرجال واحد حالم مُخلص يُشبهني، غير معقول أن يكون الجميع مثل كمال جابر خواطر النساء جميعا.
أمسكت هاتفي لم أتفاجئ عندما رأيت صورتهما معا واضعا ذراعه حول رقبتها في انسجام مقزز ، يبدو أنه حفل خطبتهما، علقت لها :" لقد نصحته دوما بأن يرتبط بك"، أجابت متعجبة متساءلة:"هل طلبتي منه أن يخطبني؟" أجبت: " نعم، لطالما قلت له ابحث عن كلبة تافهة تليق بك، وها قد وجدك".
قُضي الأمر كمال ليس بالشخص الذي أبكي لأجله، ربما أرادت رفيف أن تستحوذ عليه رغبة منها في سرقة كل ما أملكه، لكنكِ اخترتِ أردأ ما أملك أيتها التافهة، ذكر لم أحبه قط ولا يمت لمعشر الرجال بصلة ارتضيته مجاراة للظروف وحسب أما المشروع فأنا أتوقع فشله منذ السطر الأول.
قصة أوراق الخريف - احتفال بالانتصار
ها أنا ذا عاطلة مؤقتا عن العمل ولم يتقدم لي خاطب جديد لكن لا ضرر في أكل المثلجات للاحتفال، لم لا لقد تخلصت من كل هذه الأمور المزعجة في حياتي، مدير مزعج متسلط مقلد لمن حوله يكثر من الضغط ولا يترك مساحة لإبداع فريقه، وصديقة مزيفة طمعت في مشروع فاشل وخطيب مقيت بخيل محب لجميع النساء.
أتعجب من كل فتاة تفسخ خطبتها ثم تندب حظها وتتألم، سيكون شعاري من الآن وصاعدا لو كان خيرا لبقى.
جلست في الحديقة واستمتعت بهذا الانتصار الذي جاء مباغتا، من الجميل أن تتهاوى الأشياء المزعجة المزيفة كما تتساقط أوراق الخريف.
دمتم بكل ود.