![]() |
قصة سلك |
قصة سلك قصص قصيرة
لم ترتب شيئا لعودته، لم تعد العَشَاء لم تهيِّء نفسها، وتضع ما يمكن وضعه من أنواع الطيب كما تفعل النساء، منذ وقت طويل كرهت أن تفعل هذا.
عودته الحتمية تشعرها بالغثيان والكثير الكثير من الخوف، عقارب الساعة تدق في رأسها تشطرها إلى نصفين، تتمنى لو أنها تدير بإصبعها الزمن؛ لتبدأ من اليوم الأول، لا، بل إلى
ما قبل اليوم الأول من لقائها به، فقط لتتمكن من التراجعِ والقفزِ خلف هذه الأسلاك.
قصة سلك - السجن
ذلك الممر الضيق الذي يخنقها كلما سارت فيه، تتفرع منه غُرَفٌ مُوحِشة، فجأة فُتِحَتِ النوافذ ودخلت الريحُ بعنفٍ تعصف بكل شيء، أسرعت تغلق النوافذ وتعيد كل شيء إلى
مكانه، هنا تسمّرت فجأة عندما وقعت عينها على الجدار، يدها تمتد لذلك البرواز لكن أناملها لا تكاد تصل، هناك المرآة المحطمة كيف لها أن تُكَسِّر ملامحها وتعكس وجوها عديدة لوجهٍ واحد؟
كأنها لأول مرة ترى نفسها، ترى المرآة، أطبقت جفنيها، وأخذت نفسا عميقا وأطلقت زفرة في الهواء وقد ثبَّتَتْ نظرة ثاقبة على تلك الإنكسارات على صفحة المرآة،
عادت أدراجها وأكملت الطريق بحماسة غير معهودة حتى وصلت إلى المطبخ، ذلك المطبخ الذي لا تكاد ترى فيه الأواني الزجاجية أو السكاكين فقد خبَّأتها في مكان لا
يعرفه سواها، أخذت تُفَتِّشُ في الرَفِّ العلوي عن شيء ما عاودت البحث فيه مُجددا بعدما أَفْرَغته، تقف على رؤوس أصابعها لتصل أكثر، يدها تتحرك يمنة و يسرة، تطلق
إبتسامة عريضة وتسحب يدها القابضة على كيسٍ بلاستيكي، تفتحه مسرعة تُخرجُ شريطَ أقراص ديكلوفين، تبتلع منه واحدة ثم تزيد عليها بضع حبات، شربتْ بعدها كميات كبيرة من الماء، مسحت شفتيها بظهر يدها الموشوم
بآثار جروح عديدة، توقفتْ عن التفكير سَكَنتْ حركتها تماما، استدارت وألقت بنفسها على كرسي قريب؛ هكذا تستطيع تحمل الضرب والآلام الناتجة عنه، وربما ستتمكن من المقاومة.
قفزت من مكانها عند سماعها دوران المفتاحِ في الباب، لَفَتاتها السريعة ،إرتباكها الكبير يقولان: "لقد عاد عاد فأين أذهب؟!"
قصة سلك - العودة
صوته النشاز يُدَندِن دندنات لا تفهمها، يعم السكون المكان، كأنَّه يتحقق من وجودها أو يريد أن يستخدم حاسة الشم بدلا من السمعِ، تقترب خطواته أكثر، أزعجه صوتُ حذائه
فخلعه؛ لِيكمل طوافه هنا وهناك لكنه لا يجدها، يطلق صرخته: "أين أنتِ يا ملعونة؟" فتجيبهُ مِن الخلفِ: "إن اقتربت مني سأقتلك" كانت هذه المرة أكثر شجاعة أمسكت بدلو ماء، ضحك كثيرا؛ لم يفهم ما علاقة دلو الماء بتهديدها..
نظر إليها من مكانه، تحسَّس جيب بنطاله، أخرج القدَّاحةَ وأشعلها: "اليوم لعبة جديدة، استعدي"
أعادت ما قالته لكن بلهجة أقوى: "إن اقتربت مني سأقتلك" بسرعة دلقتْ دلو الماء على الأرض حتى ابتلتْ قدماهُ، وانتزعت سلكا كهربائيا من على الجدار تفرَّعَ منه
السالب والموجب، جحظت عيناه كأنه أفاق من سُكرهِ، تقول بلغة جادة ووجهها المحمرُّ وصوتها الغارق بالدموع: _"دعني أذهب وإلا سأكون مجنونة أكثر منك"
![]() |
قصص عربية |
_مُتلعثما: "هل ستذهبين؟"
_ نعم...
ألق المفتاح وإلا ألقيت أنا بالسلك، لا تحاول أن ترتكب أي حماقة، صَعقُكَ ممكن في أقل من ثانية.
_عليك اللعنة، أنا سأقتلك.
للمرة الأخيرة، ألق المفتاح.
يحاول خداعها والإبتعاد عن الماء، لكنها تأمره بالثبات في مكانه وإلا نفذت تهديدها.
نظر إليها طويلا، كأنه يراها لأول مرة من أين اكتسبت كل هذا....
تقطع ذهوله بصوت أكثر حِدة: "هل ستفكر كثيرا، أريد المفتاح هنا تحت قدمي"
لأول مرة يستجيب لها، مُصابا بالحسرة والذهول؛ كيف فعلت هذا؟
اقرأ ايضا خاطرة خذ الحكمة وتمعن
اقرأ أيضًا :"قصيدة عزم وأمل قصائد فصحى".
ألقى المفتاح، مازالتْ محافظة على تركيزها، تفصلها عنه مسافة طويلة من التحدي الكبير، خطواتها للخلف باتجاه
الباب ثابتة، عيناها على وجهه المصعوق قبل مس الكهرباء بقي مكانه مشدوها، أسرعت الخطى خرجتْ من البابِ أخيرا، أغَلَقَتْ عليه سِجنه.
بقلم الأنامل اليمنية :
"زينب الحداد"
بداية جميلة كل التوفيق لك ❤️
ردحذفاول مااااقرات القصة عرفت ان الكاتبة مش شخص عادي ولما شفت اسمك وجدت ظالتي... مببببببدعة يا زينب
ردحذفبالتوفيق في كل مقالاتك
ردحذفشدتني أقصوصتك منذ اول سطر...مبدعة
ردحذف