المومياوات، بقايا البشر والحيوانات المحفوظة، أسرت خيال الإنسان لعدة قرون.
![]() |
فن التحنيط القديم |
فن التحنيط القديم كشف أسرار المومياوات
فن التحنيط القديم وتاريخه
من بين طرق الحفظ المختلفة، ليس هناك ما هو أكثر شهرة من التحنيط. كانت هذه الممارسة القديمة، المرتبطة في المقام الأول بمصر القديمة، عبارة عن عملية طقوسية معقدة تهدف إلى ضمان رحلة المتوفى إلى الحياة الآخرة.
في هذه المقالة، سوف نتعمق في عالم التحنيط الرائع، ونستكشف تاريخه وتقنياته وأهميته الثقافية.
تعد عملية التحنيط إجراء دقيق ومقدس في مصر القديمة، تعود ممارسة التحنيط إلى آلاف السنين ولم تقتصر على مصر.
مارست العديد من الثقافات، بما في ذلك الإنكا والفرس ومختلف مجتمعات ما قبل كولومبوس، شكلاً من أشكال التحنيط. ومع ذلك، فإن المصريين القدماء هم الأكثر ارتباطاً بهذه العملية المعقدة.
آمن المصريون بالحياة الآخرة حيث تستمر الروح في رحلتها بعد الموت. ولتسهيل هذه الرحلة، قاموا بتطوير فن التحنيط حوالي عام 2600 قبل الميلاد.
في البداية، كانت العملية مقتصرة على الفراعنة وكبار المسؤولين، ولكن مع مرور الوقت، أصبحت في متناول عامة السكان على نطاق أوسع.
خطوات فن التحنيط القديم
كانت عملية التحنيط معقدة وتشتمل على عدة مراحل. في حين أن الخطوات الدقيقة قد تختلف، إلا أنه يمكن تلخيص الخطوط العريضة العامة لعملية التحنيط المصرية على النحو التالي:
تطهير الجسد
تم غسل الجسد أولاً بماء النيل لتطهيره. ثم تمت إزالة الأعضاء الداخلية، باستثناء القلب، الذي كان يعتقد أنه مقر الذكاء والعواطف.
وهو عمل مقدس يرمز الى التطهير والولادة من جديد، حيث قام المحنطون بعمل شق عرضي على الجانب الأيسر من الجسم للوصول إلى الأعضاء الداخلية.
إزالة الأعضاء
تم استخراج الدماغ من خلال فتحتي الأنف باستخدام خطافات خاصة. وتمت إزالة الأعضاء الداخلية مثل الكبد والرئتين والمعدة والأمعاء وحفظها في الجرار الكانوبية.
حيث كان الاعتقاد السائد ان هذه الأعضاء غير مهمة في الحياة الاخرة، وكانت كل جرة من الجرار الكانوبية مخصصة لعضو معين ويحميها إله مختلف.
الجفاف
تمت تغطية الجسم بالنطرون، وهو خليط ملح طبيعي، من كربونات الصوديوم وكان موجوداً في الصحراء المصرية، لإزالة الرطوبة.
عملية التجفيف هذه منعت التسوس وساعدت في الحفاظ عليها.
استمرت عملية التجفيف لمدة 40 يوماً تقريبا، اعتماداً على حالة الفرد ومستوى الحفظ المطلوب. وكلما طالت مدة بقاء الجسم في النطرون، كان الحفاظ عليه أفضل.
التطهير والمسح
بعد معالجة النطرون، تم غسل الجسم بعناية لإزالة أي بقايا من النطرون. غالباً ما كانت عملية التطهير هذه مصحوبة بدهن الجسم بالزيوت والراتنجات.
خدمت هذه المواد غرضاً مزدوجاً، فهي تعمل على ترطيب الأنسجة المجففة وإضفاء رائحة لطيفة على المومياء.
لف الجسم
بعد الجفاف، يتم لف الجسم بضمادات من الكتان. تم وضع التمائم بين الطبقات لحماية المتوفى في الحياة الآخرة. كان الجسد الملفوف يوضع في سلسلة من التوابيت، كل منها متداخل داخل الآخر.
غالباً ما كانت الضمادات الكتانية مزينة بنصوص ورموز دينية، بما في ذلك مقاطع من كتاب الموتى، وهو دليل للمتوفى في رحلة الحياة الآخرة. تم وضع المومياء الملفوفة في سلسلة من التوابيت، كل منها مزخرف بشكل معقد ومصمم لحماية المتوفى.
الطقوس النهائية
خضع الجسد المحنط، الذي تم إعداده الآن للحياة الآخرة، لسلسلة من الطقوس، بما في ذلك مراسم "فتح الفم"، التي أعادت الحواس بشكل رمزي وسمحت للمتوفى بالمشاركة في عروض الحياة الآخرة.
وكان الكهنة يقومون بهذه الطقوس، متضرعين إلى حماية الآلهة ومباركة المومياء. وكانت الخطوات الأخيرة حاسمة لانتقال المتوفى بنجاح إلى عالم ما بعده، بحسب المعتقدات المصرية.
![]() |
تحنيط الموميات |
فن التحنيط القديم وأهميته الثقافية
تتمتع المومياوات بأهمية ثقافية هائلة، حيث توفر معلومات قيمة عن معتقدات الحضارات القديمة وممارساتها وحياتها اليومية.
بالإضافة إلى أهميتها الدينية والروحية، تعد المومياوات بمثابة نافذة فريدة لعلماء الآثار والمؤرخين المعاصرين على الماضي.
تم اكتشاف المومياوات ليس فقط في مصر ولكن أيضاً في أجزاء أخرى من العالم. توفر الجثث المحفوظة جيداً للباحثين ثروة من المعلومات حول الأنظمة الغذائية القديمة والظروف الصحية والممارسات الثقافية.
على سبيل المثال، قدم اكتشاف "الرجل الجليدي" في جبال الألب لمحة سريعة عن الحياة في العصر النحاسي.
لا تزال المومياوات تمثل أشياء مثيرة للدهشة، حيث تستحوذ على خيال الناس في جميع أنحاء العالم. لقد تطور فن التحنيط، الذي كان في السابق ممارسة دينية وثقافية، إلى موضوع للبحث العلمي، مما ساعدنا على كشف أسرار الحضارات القديمة.
مع تقدم التكنولوجيا، يتم إجراء اكتشافات جديدة، تسلط الضوء على حياة ومعتقدات أولئك الذين عاشوا منذ فترة طويلة.
تظل دراسة المومياوات مجالاً ديناميكياً، حيث توفر إمكانيات لا حصر لها لمزيد من الاكتشاف والفهم.
أسباب فن التحنيط القديم والثقافات التي مارسته
لم يكن التحنيط يقتصر على مصر القديمة؛ مارست العديد من الثقافات عبر التاريخ أشكالاً مختلفة من التحنيط لأسباب متنوعة، تتراوح من المعتقدات الدينية إلى الاعتبارات العملية.
فيما يلي بعض الثقافات التي استخدمت التحنيط وأسباب القيام بذلك:
مصر القديمة
مارس المصريون القدماء عملية التحنيط لأسباب دينية وروحية في المقام الأول. لقد آمنوا بالحياة الآخرة حيث تواصل الروح رحلتها، وكان الحفاظ على الجسد ضرورياً للانتقال الناجح.
وتهدف هذه العملية إلى تزويد المتوفى بشكل جسدي محفوظ جيداً لمرافقة الروح في الحياة الآخرة.
حضارة الإنكا
مارست حضارة الإنكا المتمركزة في جبال الأنديز بأمريكا الجنوبية عملية التحنيط لأغراض دينية وعملية.
غالباً ما تم دفن المومياوات مع ممتلكات ثمينة، وكان الإيمان بالحياة الآخرة أمراً أساسياً في ثقافتهم.
ساهمت البيئة المرتفعة في جبال الأنديز بشكل طبيعي في الحفاظ على الجثث.
بلاد فارس القديمة
مارس الفرس أحد أشكال التحنيط متأثرين بمعتقداتهم الزرادشتية. لقد آمنوا بالدينونة بعد الموت، وكان يُنظر إلى الحفاظ على الجسد على أنه مهم لقيامة الروح في نهاية المطاف.
استخدم الفرس مزيجاً من الشمع والعسل في عملية التحنيط.
ثقافة تشينتشورو (أمريكا الجنوبية)
مارس شعب تشينتشورو، الذي عاش على طول سواحل تشيلي وبيرو الحديثة حوالي 5000 قبل الميلاد، أحد أقدم أشكال التحنيط المتعمد. ولا تزال دوافعهم تخمينية، لكن يُعتقد أن الظروف البيئية شجعت الحفاظ على الجثث.
تم إنشاء المومياوات للأفراد من مختلف الحالات الاجتماعية.
أجسام المستنقعات (أوروبا)
على الرغم من أن التحنيط ليس تقليدياً، إلا أن حفظ الجثث في مستنقعات الخث في أوروبا (مثل إنسان تولموند وإنسان غراو بالي) تم بشكل طبيعي بسبب الظروف اللاهوائية والحمضية للمستنقعات.
شاهد فيديو عن استهلاك الشوكولاتة وارتباطه بالحالة المزاجية
وقد قدمت هذه الجثث المحفوظة جيداً نظرة ثاقبة للثقافات الأوروبية القديمة، ومن المحتمل أن يكون الحفاظ عليها غير مقصود.
المومياوات الصينية (حوض تاريم)
تم اكتشاف مومياوات يعود تاريخها إلى الألفية الأولى قبل الميلاد في حوض تاريم في منطقة شينجيانغ الحالية بالصين. ويعتقد أن هذه المومياوات، المعروفة باسم مومياوات تاريم، تنتمي إلى مجموعات عرقية مختلفة.
ويعزى الحفاظ على المناخ الجاف في المنطقة. لا تزال الدوافع الثقافية والدينية الدقيقة لهذه المدافن قيد التحقيق.
جزر الكناري (مومياء غوانش)
مارس شعب الغوانشي في جزر الكناري عملية التحنيط كجزء من عادات الدفن الخاصة بهم. الأسباب الكامنة وراء ممارسات التحنيط الخاصة بهم ليست مفهومة تماماً، ولكن يُعتقد أنها مرتبطة بمعتقداتهم الدينية والروحية.
في حين أن الطرق والأسباب المحددة للتحنيط تختلف بين هذه الثقافات، إلا أن القاسم المشترك غالباً ما يتعلق بالمعتقدات في الحياة الآخرة أو شكل من أشكال الوجود المستمر بعد الموت. وكان يُنظر إلى الحفاظ على الجسد على أنه وسيلة لتسهيل هذه الرحلة.
وكانت الممارسات تعكس السياق الثقافي والديني والبيئي لكل حضارة.