قصة قل لي كيف أنجو منك قصص قصيرة جزء ٢٨ - أنامل عربية

نوال والأب لقاء من نوع آخر، فيه كنوز ومفاجآت كيف ستستقي منه دعونا نرى معا أعزائي الأفاضل.

قصة قل لي كيف أنجو منك قصص قصيرة
نوال 


قصة قل لي كيف أنجو منك _ الأب الفيلسوف 

أحببتها منذ الوهلة الأولى، كانت امرأة متسلطة، نعم أعترف كانت كل العلامات تقول لي اهرب، لكنني لم أذعن للأمر وجازفت وتزوجت بها، امرأة لسانها سليط، مزاجية، لا تقهر، وقعت في سطوتها، كيف ذلك لا أعلم، حضورها كان طاغي جدا، لها ذوق ونظرة ثاقبة، قد تحسبها غبية لكنها تملك مكر الثعالب.

داهية في كل شيء، أحيانا كثيرة أخاف منها، لكن مهما ابتعدت عنها تهت، فأعود إليها مستسلما ومشتاق في آن واحد، أيقنت بأن هذه المرأة لا مفر منها، مرت السنون و تبادر لذهني سؤال لمَ هي بالذات؟ لم أجد إجابة شافية، نبشت داخل ذاكرتي وقلبي، أجد في رفوف الذكريات

 مواقف كثيرة لها جعلتني متيما بها رغم خشونتها وكلامها الجارح، كانت هي التي تقبلت ضعفي، كما سمعت رغم قوتها وحضورها الطاغي إلا أنها تقبلت خوفي وجبني، لا أحب المواجهة، ولا أحب العراك، تربيت في بيت هادئ، لا صراخ، لا مشاكل، لا نقاشات حادة، أمي تجلس في ركنها وبيدها كتاب تقرأ بنهم، وأبي في مكتبه يقرأ الجريدة.

هو يعشق السياسة، وأمي تعشق الأدب، كنا نلتقي نحن الثلاثة على المائدة أو في نزهة ثقافية نجول في متاحف المدينة، أين أنا من هذا كله، كنت طفلا منبوذا حالي من حال أي أثاث، ممنوع اللعب، ممنوع الضجيج، ممنوع

 الخروج إلى الخارج، محبوس بين جدران عالمي الخاص ، فوجدت نفسي أمام مكتبة ضخمة تناولت أول كتاب وبدأت أقرأه فأحببت، ووجدت ما يؤنس وحدتي وبعدها اكتشفت عشقي للكتابة ولازال النص الذي كتبته عالقا في مخيلتي للآن

 " هذا أنا الطفل الذي كبر بسرعة لم يعرف متعة اللعب لكنه إكتشف متعة القراءة، ذلك العالم المملوء بالمغامرات، تجولت دولا وأنا في مكاني، تخيلت كل شخصية بهندامها وشكلها وشخصيتها، أنا من كان يختار شكل الأثاث والألوان، حتى الروائح شممتها، كانت تلك الكتب موطني لم أحس معها بالغربة وأصبح لي أصدقاء وغدوت أتناقش

 معهم، ذات يوم جلست بمحاذاة النافذة، تفحصت المارة والأطفال وبدأت أراقبهم بفضول شديد وبدأت من خلالهم أختار أبطال قصصي، كانت هذه لعبتي وفسحتي رغم إنعزالي عن العالم ". 

تعلمت كيف أجازف وأنا بين الورق، لكنني لم أجازف وأنا في حياتي الحقيقية، أخاف من كل شيء، الوحيدة التي اقتربت مني هي زوجتي وهي الأخرى جازفت واختارتني كانت جريئة وجميلة وناعمة وعنفوانية وهذا ما شدني إليها وستبقى في مخيلتي وذاكرتي وقلبي مهما فعلت بي.

نوال جالسة على الكرسي قرأت ما كتبه والدها، لأول مرة تكتشف قصة والدها مع والدتها، كم أنت شهم يا والدي وددت لو كان لي قلب مثلك، لا أحد منا يشبهك، ربما مغفرتك لوالدتي ولنا هي من أبقت هذه العائلة مستمرة.

قصة قل لي كيف أنجو منك اب نوال
الأب

قصة قل لي كيف أنجو منك - حديث الأب مع ابنته 

استفاق الأب: خيرا يا ابنتي لمَ لمْ تنامي؟ 

نوال: كلماتك سطورك يا أبي، إنها كالسهم تخترق القلب دون استئذان أستغرب لمَ لم تكتب رواية أو مجموعة قصصية؟

الأب : لقد كتبت قصة، كانت مسابقة في المدرسة عن كتابة قصة قصيرة شاركت ونلت المرتبة الأولى، أذكر كلمة معلم العربية، يا ولدي أنت شعلة المستقبل إياك أن تترك يدا تطفئ هذه الإضاءة الإستثنائية، رحمة الله عليه كأنه كان يعرف أنه هناك من يقتل إبداعك ليس لأنك بارع بل خوفا من أن تصبح متفوق عليه.

نوال : كلمة المعلم صائبة أنت شعلة يا والدي لكن ماذا حل بك؟

الأب : والدي كان صحفيا يكتب مقالات وأحيانا قصص قصيرة، عندما صادفه مدير المدرسة وقال له هناك من ينافسك في فن الكتابة وتفوق عليك، قال له من هذا الذي سيتفوق علي أنا بارع في مجالي، إنه ابنك. عاد أبي إلى البيت و الشرارة تتطاير من عينيه قال لي أين تلك القصة القصيرة التي كتبتها مددت القرطاسية له، 

نظر إلي نظرة حقد لن أنساها ما حييت، قرأها وعاد إلي قال لازال ينقصك الكثير، هم فقط يجاملونك لكي لا تتوقف، وأنا والدك ولن أجاملك، أنت فاشل أسلوبك ركيك، أمسك ولاعته وحرق قصتي، بكيت ليلتها بحرقة فهو لم يحرق الورق بل حرقني من الداخل حرق كينونتي معه،

 أمي كانت حنونة ضمتني إليها ومسحت على شعري وقالت لي لا عليك، أبوك شخص متعجرف، سأخبرك بسر أنا أيضا كنت صحفية وكنت الأفضل، إلا أن إلتقيت بوالدك وحطم مشواري المهني خوفا من نجاحي عليه، وأكتب قصص قصيرة وأنا أيضا حرق إحدى رواياتي ومن بعدها احترقت كل نقطة في... 

أنا من بعد تلك الحادثة مجرد حطام ومن دفع ثمن فعلته أنت يا ولدي سامحني... 

ضممتها بشدة أنا الآخر وبكينا حتى نمنا استفقنا بعدها لكن بروح جديدة أصبحنا صديقين حميمين وعدنا كلانا للكتابة لكن سويا.

نوال : قصتك يجب أن تروى تستحق أن تكون فيلما سنيمائيا أنت بطل صامد بالرغم ما حل بك. أنت مثل جبل الثابت. 

الأب : نوال عزيزتي هل تريدين أن تكتشفي كيف غدوت ثابتا كالجبل؟ 

نوال : بكل تأكيد. 

الأب : في المذكرة هناك ظرف افتحيه إنها رسالة جدتك لي سأسمح لك بقراءتها. 

حسنا قفزت نوال من شدة الفرح كأنها حصلت على كنز بحثت عن الظرف التقطته، احتضنته، قبلته، شمته، رائحة الماضي به، فتحته تأملت بالخط، متناسق وبهي، كأنها تمسك مخطوطة مر عليها قرون، تعرف قيمة الرسالة، لو طلب منها أن تبيعها بالملايير، لأبت عن ذلك، تنفست الصعداء، دقات القلب في تزايد جلست بجوار والدها، وبدأت بالقراءة.

قصة قل لي كيف أنجو منك - الرسالة القديمة 

إلى من يقتسمني نفس الهواية...

عزيزي أنت بطلي، أنت سندي، لا عليك من كلام ذلك الأرعن والدك فهو جبان ويخاف من المنافسة أتركه لحقده فهو يأكله يوما عن يوم، أقرأ قصصك فأنت مشروع أديب، يا فيلسوفي الصغير، الحكمة هي قسمتك، أعترف أنا والدتك بأنك تفوقت على قلمي، أسلوبك مغري، وحبكتك ثابتة، كأنك تجول في خواطر الناس بكل أريحية لا شيء يعيقك، شخصيتك الرقيقة هي من جعلت منك كاتبا فذا، القوة

 ليست بالعضلات والجسد المفتول، وبالقدرة على السب والشتم، قوتك تكمن في ضعفك في نواقصك، لولاها لما كانوا أبطالك حقيقيين، استمر وعش كما أنت فهذا قالبك وإياك أن تعيش في قالب لا يشبهك، لا تقترف هذه الجريمة في حقك، لكي لا تندم، خدني أنا على سبيل المثال عشت حياة لا تشبهني فمت قبل أواني، مع حبي يا طفلي المدلل. 

ضمت هذه الرسالة كأنها تضم جدتها، أتعلم يا أبي صحيح لم ألتقي يوما بجدتي لكنني اليوم أحسست بلقائها كأن طيفها زارنا وأنا أقرأ شعرت بوجودها معنا. 

الأب : الذين يسكنون بقلوبنا حاضرون دوما معنا، لم أشعر بغياب أمي أبدا دائما كانت معي رائحتها لم تفارقني. 

نوال : يبدو أنني ورثت هذه الموهبة منك ومن جدتي فأنا أيضا أكتب.

الأب : هذا رائع وهل تسمحين لي يوما بقراءة ما تكتبيه.

نوال : بكل تأكيد عندما انتهي من ذلك المشروع ستكون أنت أول من يقرأ المسودة.

قصة قل لي كيف أنجو منك شوق نوال
الاشتياق 


قصة قل لي كيف أنجو منك - الشوق 

نام والد نوال ونوال توجهت للنافذة التي تطل على الشارع وبدأت تراقب المارة، وبدأت تكتشف أن الكاتب الجيد يجب أن يكون متلصص جيد لتكون شخصياته نابضة فقررت أن تعيد النظر في كيفية الكتابة الإبداعية، تعلمت سرا عظيما من والدها اليوم كنز مدفون في أعماقه لكنه سيعلن عنه فيما بعد.

اشتاقت نوال لياسر أرادت وبشدة أن تراه فهي لم تراه منذ شهر، لقد سافر في رحلة عمل، الحنين يأكلها ويزيد من لوعة الشوق، فكرت كيف تتصل به لكن دون جدوى أباها نومه خفيف قد يسمعها وأختها تتقاسم معها غرفتها منذ الحادث المروع وهي تخشى النوم وحيدة، في غرفة الجلوس تنام والدتها. 

فكرت وطرأت ببالها فكرة لم لا تكتب رسالة وتحتفظ بها حتى يأتي. أعجبتها الفكرة وبسرعة توجهت إلى المكتب وباشرت بالكتابة. 

عزيزي ياسر لقد اشتقت لك أعلم أنك مشغول والمكان الذي أنت به لا يوجد فيه تغطية آخر إتصال بيننا كان هناك تشوش، مر شهر كامل دون تواصل لكنني أفكر بك دوما، أتعلم في هذه المدة التي قضيتها مع والدي تذكرت قلتها لي في رواق المستشفى "نحن لا نعرف الأشخاص دفعة واحدة وإنما نعرفهم على جرعات، الدواء إن تعاطيته أكثر من لازم سيقتلك، وهكذا البشر لا تذهب إليهم بكلك ولا تجعلهم يأتون إليك دفعة واحدة وإلا ستهلك" 

كلامك صحيح يا حبيبي الجرعة الأولى تكون صعبة والجرعة الثانية تكون أخف وفي الجرعة الثالثة نتكيف معها وفي الرابعة نتعود.

شاهد فيديو ظننتهم مثلي اذا حلفوا بلله صدقوا 

 أبي في جرعتي الأولى، رأيت ذلك الأب الحنون واللطيف وفي الجرعة الثانية رأيت ذلك الأب المتردد وفي الجرعة الثالثة رأيت الأب الجبان أما عن الجرعة الرابعة فرأيت الأب الشجاع الحكيم، لقد اكتشفت فيلسوف يقطن بجانبي، كنت أبحث في الكتب والكتابة وفي الأفلام والمسلسلات

عن ذلك الأب الذي كنت أحلم به، سبحان الله كيف جعلني ذلك الحادث أتقاسم مع أبي أروع اللحظات فوجدت ضالتي واستنبطت بأن أبي هو أروع أب في العالم واستشعرت معنى الآية :" وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم" الخلاصة يا نبض قلبي الأشخاص لا يأخدون بالظاهر وإنما بما في بواطنهم. مع حبي واشتياقي نوال.

يتبع..

بقلم الأنامل المغربية:

" نجوى المهندس "

رأيك يهمنا

أحدث أقدم