خاطرة إنها لغتي تتألم خواطر وجدانية

لغتي تتألم 

خاطرة إنها لغتي تتألم 

ذهبت مرة إلى مركز للتحاليل الطبية، دخلت وانتظرت دوري الذي لم يطل، فنادت علي الممرضة لأذهب معها حتى تأخذ مني مقدارا من الدم ليتم تحليله على مراحل ،في كل 

مرة أرتاح ثم تعيد الكَرَّة وبقيت هناك أنتظر ،وكان ما يقطع سكون الإنتظار صوت أنثوي ينبعث من الشاشة المعلقة على الحائط ،ينادي في كل مرة، ويُذكِّر برقم صاحب الدور وأيام الإستقبال، وأوقات إستلام النتائج .

للوهلة الأولى يأخذك الصوت بعيدا فهو لا غبار عليه ومختار بعناية، إنه ذلك الصوت الذي فيه خضوع وترخيم ،حتى لا تمل ولا تكل وتستمتع، لكن الكلام الذي كان باللغة العربية 

هو الذي يهم، فقد كانت عربية كُسِّرت تكسيرا ،وجُمِعت جمعا، وداستها الأقدام دوسا ،ورُميت في مزبلة اللحظة التاريخية رميا.

خاطرة إنها لغتي تتألم - الحقيقة

نعم هكذا كانت الأخطاء تملؤها، وهي أخطاء حتى وإن بدت بسيطة لكنها في الحقيقة ليست ذلك، إنها في سمعي مدوية، وفي قلبي مُحرقة ومُحزنة. 

كانت السيدة بصوتها العذب تفتح الفاعل فتحا ،وترفع المفعول به رفعا، وتجر ما شاءت جرا ،كل كلمة على غير ميزان وعلى غير هُدى، لا تدري أين تقع ،في الآذان أم في سلة المهملات؟
المهم تحمَّلتُ على مضض، وانتظرت ولا أدري لماذا؟ لربما شيء في داخلي أخبرني أنها لربما تنتبه وتصحح، أو أن الموظف يُلاحظ ويتصرف.

 لكن ذلك لم يحدث، أعطيت الفرصة للجميع إلا لنفسي ،وتحمَّلت وتحمَّلت، ثم نهضت واتجهت إلى أول موظف رأيته أمامي ،موظف الإستقبال وسألته: هلاَّ أوقفت هذا الصوت.
 فأجاب: وأي صوت؟
 قلت :صوت التي تتكلم وكلامها كله منكر 
فقال: لم أفهم .
قلت: هل لك آذان تسمع بها، إنه صوت الشريط المسجل.
 قال :ولماذا؟ قلت: عربيته ليست بخير، إنها تتألم 
فرد علي مستعجبا: وكيف؟
 قلت: إنها الحركات على الكلمات غير صحيحة .

وهذا الذي كان واضحا جليا و ياليتها وقفت على السكون لكان أسلم. المهم رد الموظف مفسرا: إسمعي أختي إنني أعلم بهذا والجميع هنا يعلم .قلت: فلماذا لا تصححون؟ 
قال :هذا المتوفر .قلت :إستبدلوه إذن بشريط آخر له لغة أخرى 
فقال: عندنا بالفرنسية ولكنه مثله تماما لم يترك ضلعا ولا مفصلا في الفرنسية إلا وهشَّمه.

 قلت وصوت الغريزة الذي تكلم- حبي للعربية -:ضعه هو فليفعل ما شاء بالفرنسية ولكن أنقذ العربية فقط. 
فابتسم وقال: سأبلغ المدير بذلك ولكن لا أظن أنه يكترث.
رجعت إلى مكاني وأنا قد زاد في دمي مقدار السكر 

والضغط والمصائب كلها، وجلست ألتقط أنفاسي من شدة الجدال والغضب، أتممت ما جئت من أجله ولكن لم يتغير شيء ،وغادرت المكان وذلك الصوت ما زال في أذني كل مرة يضرب ويضرب ،ولم أتخلص منه إلا بمرور عدة أيام .

لغتي تتألم 

اقرأ أيضا :"قصة حبات اللؤلؤ المنثورة قصص قصيرة". 

هذه الحادثة ذكَّرتني كم هو سهل الإستهتار والإفساد في أي شيء، في زمن بلا رقيب ولا عتيد، لا عقاب ولا مؤاخذة، رغم أنني أعلم بأن هناك عقوبة في القانون للقتل العمدي أو

الخطأ، وأن من أخطأ في حق غيره يدفع الثمن ،ولكن ماذا عن الأخطاء التي تقتل وتقتل ببطء أرواح الأمم والمآثر التاريخية، والأسس الثقافية التي بها هوية الشعوب وثرائها وعلو مرتبتها على مدى قرون وقرون ؟ماذا عنها؟

خاطرة إنها لغتي تتألم تذكير حتى لاننسى 

تعتبر اللغة العربية من أقدم اللغات السامية في العالم، وهي من بين ست لغات تستعمل في الأمم المتحدة، وتسمى لغة الضاد لاشتهارها بهذا الحرف الذي لا يوجد له بديل في 

اللغات الأخرى ،إضافة لحروف أخرى ،ويعتبر من الصعب النطق به لغير المتكلمين بها، بل إن هناك من لا يفرق بين الظاء والضاد من أهلها ،وفي ذلك يقول الحريري:

أيها السائل عن الظاء والضاد لكي لا تظله الألفاظ 

إن حفظ الظاءات يغنيك فاسمعها استماع امرىء له استيقاظ 

هي ظمياء والمظالم والإظلام والظلم واللحاظ والعظا والظليم والظبي ...

ويمكن الإطلاع على بقية الكلمات حتى نحيط ولو بالشيء القليل في ذلك .

وتسمى أيضا لغة القرآن لكون القرآن الكريم نزل بلسان عربي مبين، كما أنها أغنى اللغات من حيث الكلمات والمفردات ،فمثلا في معجم ابن منظور الذي أُلف في القرن الثالث عشر ميلادي هناك ما يزيد عن 80,000 كلمة،

وتتجاوز 12 مليون كلمة دون تكرار بحسب المراجع والمصادر ومعاجم اللغة العربية ،و تتكون من 28 حرفا وهناك من أضاف الهمزة واعتبرها حرفا ،وتكتب من اليمين 

لليسار على عكس لغات أخرى كالفرنسية والإنجليزية، وهي لغة أهل بلدان الوطن العربي وشبه الجزيرة العربية ، إضافة لدول أخرى في العالم ،وهي اللغة التي يجب تعلمها على من دخل الإسلام لارتباطها الوثيق بالدين الإسلامي.

خاطرة إنها لغتي تتألم - أشهر العلماء

من علوم اللغة العربية علم النحو، وعلم البلاغة وعلم البيان ،وعلم المعاني، وعلم البديع، وعلم العروض والقوافي ،وعلم الإشتقاق،و التصريف والإعراب والترادف والتضاد.

من أشهر علمائها أبو الأسود الدؤلي، وعبيد القاسم بن سلام ،والخليل بن أحمد الفراهيدي، وسيبويه والسيوطي، والجاحظ والزمخشري،وابن مالك وابن جني، وأبو منصور الثعالبي، وأبو الفرج الأصفهاني و ابن منظور وغيرهم .

ويعتبر يوم 18ديسمبر يوما عالميا للغة العربية .

كما أن اللغة العربية تقوّم الألسن وتجعلها فصيحة واضحة بيّنة .

قال المستشرق الفرنسي لويس ماسينيون: (اللغة العربية هي التي أدخلت في الغرب طريقة التعبير العلمي ،والعربية من أنقى اللغات فقد تفردت في طرق التعبير العلمي والفني)

وقال الدكتور رشدي أحمد طعيمة( إن العربية وعاء لحضارة واسعة النطاق ،عميقة الأثر، ممتدة التاريخ، لقد 

نقلت للبشرية في فترة ما أسس الحضارة وعوامل التقدم في كل العلوم الطبيعية والرياضيات والطب والفلك والموسيقى )

شاهد فيديو نشر الطمأنينة نهج الأنبياء 

وقالت المستشرقة الألمانية ريزر هونكا( كيف يستطيع الإنسان أن يقاوم جمال هذه اللغة ومنطقها السليم وسحرها الفريد ،فجيران العرب أنفسهم في البلدان التي فتحوها سقطوا صرعى سحر تلك اللغة ).

اللغة العربية لغتي وأفتخر ..

 بقلم الأنامل الجزائرية:

"عايدة عمار فرحات"