رواية هرارة الرماد روايات رومانسية جزء ١٧- أدب عربي - قصص أنامل عربية

         

رواية هرارة الرماد جزء ١٧- أدب عربي - قصص أنامل عربية
رواية هرارة الرماد 


رواية هرارة الرماد الجزء السابع عشر 

استيقظت العنقاء باكراََ على غير عادتها، لم تك تشعر بالحزن يملأ الدار فتكدر حالها وتعثر مزاجها بسوء ما تكن، وعجزت عن تناول كوب صباحها كالعادة. 

أمرت الفتيات بالخروج لجلب الماء وأعطت لابنتها مالكة جرة بينما أعطت لريحانة غربالاََ. 

تعجبت ريحانة من أمر الغربال المليء بالثقوب كيف ستملأه بالماء!  

لكنها تذكرت وجود دافع ونافع بجانبها فأخذت الغربال دون نقاش. ولما وصلت الفتيات إلى نبع الماء، مر بجانبهن الخضر المجذوب وطلب منهن السقيا فأجابت مالكة:

- اذهب بعيداً ايه المجذوب ليس عندنا شيئاً لنعطيك. 

أما ريحانة فلاح لها شدة الشبه بينه وبين أبيها فأشفقت عليه وحاولت سقايته لكنها لا تملك إلا غربالاََ مليئ بالثقوب. 


رواية هرارة الرماد وبركة الخضر

أمسكت الغربال خشية أن تعرف أختها مالكة بسرها وطلبت من المجذوب مسحه بيده. مسح المجذوب بيده الغربال فطمس دافع ونافع تلك الثقوب فاستطاعت الريحانية الجميلة حينها ملأ الغربال بالماء وسقت الخضر حتى ارتوى. 

ومالكة تنظر إلى المشهد بغباء وقد آمنت وتيقنت أن المجاذيب لهم قدرات خارقة، يستطيعون الضر والنفع. وقبل أن ينصرف الخضر وجه عصاه باتجاه مالكة ودعا:

- اذهبي جعل الله في وجهك قبح الحمار كلما غسلته زدت قبحاََ. 

ثم التفت إلى هرارة الرماد ودعا:

- جعل الله النور في وجهك كلما زاد رمادك زدت جمالاً.

انصرف الخضر وسارت الفتاتين باتجاه الدار وقد شعرت مالكة بالخوف من دعائه حتى تمكن اليقين من نفسها وغدت مقتنعة أنها قبيحة قبح الحمار واخذت تبكي.. 

أما ريحانة فواثقة أنها حورية تسكن الفردوس الأعلى من اليمن. 

وفي طريقهن إلى الدار، كان الرعاة في الأودان والمدرجات لهم اهازيج تبعث في الوديان صدى الإنسانية. جبال خضر شقت بأنامل أهلها مدرجات، ليغرس المستحيل سحره على تفاصيلها فباتت كأنها عروس تنادم الشمس صبحاََ كأس الحياة. 


رواية هرارة الرماد ووصول الأمير

كان الأمير يراقب السنابل وهي ترقص مع الريح يميناً وشمالاً في مشهد بهيج لا يتكرر. رأى طلاب الكتاب وهم يشقون دروبهم الطويلة بين الضواحي والجبال والنساء بالأودان يستقبلنهم باللبن والخبز كزاد للطريق. 

تلك القرى التي تقترب من الشمس لتسحب منها خيط البزوغ وخلف جبالها العالية مأوى الغروب، يسكنها بشر كأنهم الملائكة ويغرس فيهم الجهل شياطيناََ يوزع زقومه ليكشف به السوءة التي لا توارى إلا بالعلم! 

اقرأ أيضا  "الإنجازات بين المنطق والفلسفة". 

غدا مندهشاً مسلوب الفؤاد، فعلى الرغم من قسوة الحياة على تلك الجبال إلا أنها تحوي أرق خلق الله إنساناً !

- نعم انها الفردوس الأعلى من اليمن. 

حدث نفسه وهو يصعد باتجاه قرية ريحانة. بعد أن اعطته العجوز الحبشية في الحديدة كل المعلومات التي سمعتها من العنقاء. 

وصلت الأختين إلى دارهما، فلاحظت ريحانة أن سائل فقير أحدب بشع الملامح يرمق دارهم من بعيد بعينه القوية. 

كان غريباً عن المنطقة لكنه كان يسأل عن ريحانة وأسرتها حتى رآها تحمل الماء بتلك الطريقة. وما أن دخلت الفتاة مسرورة بغربال مليئ بالماء إلا وجن جنون العنقاء، كيف حدث هذا! 

حكت لها مالكة بما حدث فكان ذلك بمثابة رمي عود ثقاب على كومة قش. اشتعلت نار الغيظ في الكلبانية فأخذت "عجورة" وانهالت على ريحانة بالضرب. 

كان دافع ونافع قد وضعوا وجاء على ظهر ريحانة فلم تك تشعر بالألم، ولم تك تبكي! 

أزدادت الكلبانية اضطراباً وجنونا من أمر تحملها لذلك الضرب دونما أي وجع ونفذت قرار حبسها في الحظيرة بسحبها من يدها و إدخالها سفل الأبقار ثم إغلاق الباب. 

ظهر دافع ونافع لمواساة أختهم ريحانة المحبوسة في إحدى الغرف السفلية الخاصة بالبقر. وبدأت تغني أغاني الرعاة بصوت يبعث الدفيء في الروح. 

وظلت العنقاء في الأعلى تتضور جوعاً للمآسي، تتضور جوعاً لمشاعر القهر والضيم. 


رواية هرارة الرماد والخاطب العجل

سمعت مالكة طرقات على الباب منتظمة وكأن الذي خلف الباب يعزف بكفه معزوفة البشرى. 

 - الأحدب الغريب ذو الملابس الممزقة والوجه المتسخ البشع! 

تمتمت في نفسها متعجبة من طرقه لبابهم وسارعت بالرد القبيح:

- اذهب ايه السائل فما عندنا شيئاً لنعطيك.. 

قال لها مبتسماً:

- جئت لأسلكم ما تودون إعطائي إياه وأخلصكم من تلك الهرارة. 

لم تفهم مالكة بعقلها الصغير ما يقوله الغريب الأحدب لكن صوتها علا وهي تحاول صرفه عن باب دارهم حتى شنف صوتها مسامع العنقاء فأقبلت تدب كأنها ضبعة مسنة. 

نظرت إليه لتجده سائل غريب عن المنطقة، ممزق الثياب مشوه الملامح فسألته بعجرفة وتكبر:

- هل لك حاجة عندنا ايه الغريب الأحدب ؟ 

نظر إليها بدقة وكأنه قد عرف من اللحظة الأولى أنها شريرة واستطاع أن يفهم كواليس تلك الحكاية التي لم يتفق الناس في روايتها فقال:

- جئتك خاطبا ابنتك ريحانة. 

سمعت العنقاء تلك الجملة ولانت ملامحها وابتسمت حتى بانت نواجذها المكسية بالذهب ورحبت به ومالكة إلى جوارها تنظر إليه بقرف وازدراء. 

جلس الأحدب وعيناه تطوف في أركان الديوان الكئيب، نظر إلى صورة نصير التي تبدو صورةََ محترمة لتاجر وقور، نظر إلى المدائع ومسابح العقيق المعلقة، نظر إلى أثاث 

المنزل الحجازي الأنيق، ثم دخلت إليه العنقاء وقدمت له القهوة بترحاب وسرور ثم ولغت سمها:

- إن العروس في الأسفل تحلب البقر فأمهلني قليلاً لأجهزها لك لتراها.

هنا ادرك الأمير أنها ستفعل كل ما بوسعها ليتم ذلك الزواج وانتظر أن يرى ريحانة بدون رمادها وثيابها الممزقة.

 كانت ريحانة في سفل الأبقار ساكنة وقد بُشرت أن الرجل في الأعلى هو الأمير محمد ابن الحاكم ،  وحذراها من رفضه ثم اختفيا وإذا بصوت قبقاب العنقاء ينقر الدرج بقوة. 

فتحت العنقاء باب السفل ودخلت تمشي بهدوء باتجاه ريحانة عيناها تطلق حرارة سمية محاولة التظاهر بالطيبة بعد أن حفظتها ريحانة كما تحفظ الفلق. 

جلست العنقاء تتكلم بأسلوب الأم الحنونة الحريصة على مصلحة ابنتها وقالت لريحانة:

-  أعلم أنك تحبين فعل الخير كثيراً وهذه خصلة لن تغيريها أبداً، وقد جاء لخطبتك اليوم رجل لا يحتاجك أحد كما سيحتاجك هو، فهو في أمس الحاجة لمن يساعده في حياته. 

هنا تظاهرت ريحانة بالغباء والسذاجة وبدأت تتقن فن التعامل مع العنقاء فسألتها متظاهرة بالبراءة:

- هل سيشتري لي ثياب وطعام ويحسن معاملتي؟ 

فبادرت العنقاء بالرد السريع:

 - طبعا يا عزيزتي، صحيح أنه قبيح المظهر لكنه قوي ويستطيع شراء كل ما تريدين. 

فسألتها ريحانة عن مصدر دخله فأجابت العنقاء:

- لا يغرنك شكله فله نصيب من رزق كل بيت في اليمن.

كانت العنقاء تدلس محاولة إخفاء منهته كسائل لكنها قالت الحقيقة دون أن تدري...

انطق الله لسانها الفاجر دون أن تعلم...ابت الحقيقة إلا فرض هيبتها على لسان العنقاء الكذوبة.. 

فضحكت ريحانة من سخرية القدر وعبث المصادفات. رأتها العنقاء تضحك فضحكت معاها استبشاراََ بالموافقة على النحر المشهود. 

وافقت ريحانة على ذلك الخطيب دون أن تراه لكنه كان مصراً على رؤيتها .

وهنا وقعت العنقاء في مأزق، فريحانة ليس لديها ما تلبس فكيف سيرضى بها هذا السائل الأحدب وهي بذلك المنظر المفزع! 

سحبتها من يدها وصعدت بها إلى غرفتها وبدأت تبحث عن شيء تلبسها إياه فكانت كلما جربت عليها فستان كبير يزداد عرضاََ وإن انتقت الصغير يضيق عليها! 

ولم يبقى إلا ذلك الرداء المخملي الذي زفت به حين تزوجت نظير! 

كانت عنقاء متينة قصيرة وكانت ريحانة رشيقة طويلة. 

لبسته ريحانة فزاحم جمالها بهاء شمس ذلك النهار. وما زاد قصر الرداء إلا من جمالها فنزلت ريحانة لتدخل ديوان المنزل حيث يجلس السائل الأحدب. 

طاف عليها دافع ونافع يرشونها بعطر من عطور السند والهند، فوصلت رائحتها قبل أن تصل ووصل نورها قبل أن تدخل. 

رآها الأمير فوقف مرحباََ وسقطت عصاه من يده. دنت ريحانة سريعاً وناولته إياها قبل أن تنتبه العنقاء لاستقامة ظهره، فقد بان في قوة جسده ما ينفي وجود الحدب. 

جلس الأمير ينظر إليها فلم يستطع أن يرمش بعينه وبات كأنه تمثال منحوت يحدق فيها. 

أما ريحانة فأرسلت نظرة سريعة إلى كفيه لتجدهما نظيفتان لا يبدو عليهما أثر الشقاء. 

وعلى خنصر يده اليسرى خاتم الحكم الفضة ذو العقيق الأحمر، نسي أن يخلعه فابتسمت.


لمعت عينا العنقاء وأدركت أنها أعجبته ولكنها هذه المرة تنازلت عن غرورها لكسب جولة أخيرة وإزاحة تلك الريحانة من حياتها المليئة بالأشواك.

 ارتبك الأمير قليلاً ثم قال مقترحاً:

حسانا سأذهب وأعود بجماعة من أهلي ريثما تبلغون من يمد يده لمصاهرتي، أبلغوا رجالكم وتجهزوا ريثما أعود. 

رحبت العنقاء بالفكرة، لكن الأحدب اشترط أن يحضر القاضي معه. خرج الأمير ليعود لاحقاََ وارسلت العنقاء مالكة سريعاً إلى خال ريحانة مسعود ليأتي على الفور...

انقر هنا لقراءة الجزء 18 من رواية هرارة الرماد


رواية هرارة الرماد بقلم الأنامل اليمنية 

"زبيدة شعب"

2 تعليقات

رأيك يهمنا

أحدث أقدم