الحياة سلسلة من التجارب نخطئ ونتعلم من الخطأ، فرضت التكنولوجيا الحديثة بعض المستجدات وأصبح لدى البعض شغف لفهمها، لكن وجد المحتالون كالعادة فرص سانحة لخداع السذج والبسطاء، هيا لنتعرف على قصة إلهام همام.
![]() |
إلهام |
قصة ولا على الخاطر والبال
أنا إلهام همام فتاة بسيطة، غير أني كثيرة الأحلام، أعمل بجانب الدراسة ولكن عملي مختلف فأنا ممن يمسك الأقلام، فيكتب خبرا من هُنا أو قصة مملوءة بالرومانسية والأوهام وأحرص على أن أبدأها دائما بمعسول الكلام، ليس هذا فحسب بل أتعمد رسم الابتسامة على وجوه الأنام، هكذا طبيعتي فما الجدوى من تقليب المواجع وتذكير الخلق بمُرِ الأيام.قصة ولا على الخاطر والبال - إلهام تروي تجربتها
ذات صباح استيقظت مبكرا وعلى غير عادتي أكثرت من الصياح ، فهرع إليَّ أهل الدار والجميع يريد أن يعرف سبب الانهيار، لأنها عادة ليست معتادة فأنا لا أجيد فن العصيان، وأواجه جل المصعاب بالكتمان والنسيان، ولكن صدقا طفح الكيل، لم يعد بمقدروي بعد الآن أن أكتب المقالات
والروايات بجوار الأطباق والأواني والقلايات، فهذا أمر لم يعد يليق بالمكانة الرفيعة التي تبوأتها، ثم أني أديبة الغد وملهمة الناس في المستقبل، أيعقل أن أقول عندما أتسلم نوبل للآداب، أكتب في مذكراتي أنني كتبت رواياتي في المطبخ بجانب حلة المحشي وطاجن التورلي و في أنفي
رائحة الكباب، أعتبرت ما أنا إهانة لقلمي وأمر يعاب، لذا كان لابد من أن استغل موهبتي و ألقي على أسرتي الكريمة بعضا من فصل الخطاب.
قصة ولا على الخاطر والبال وخطبة إلهام العصماء
استفتحت خطبتي بتعديد مآثري وبراعتي في التنظيف وقدرتي على تقوير الباذنجان وقلي الجمبري، فجلس أبي منبهرا فخورا بتلك الأديبة الفذة التي هي ابنته، بينما اعتبرت أمي انبهار أبي ماهو إلا اعترافا بسذاجة ذريته، أما أختي فلم تلق بالا لأنها كانت تبحث عن هاتفها، الذي هو في يدها.
لم يك يهمني سوى انصات والدي الغير معتاد، لذا رفعت صوتي مثل الباعة الجائلين وقلت بشجن ممزوج ببعض الحنين: لابد أن أحظى بمكتب أنيق لكي أضع عليه الحاسوب وأبتعد عن الجلوس بجوار الدقيق، كما أنني أود أن أظهر أمام جمهوري بمظهر يليق.
لم يبد أي من الحاضرين اهتمام وأشاح والدي نظره وأمعن التدقيق في أحد الأوراق وقتها شعرت نحو نفسي بأسى وإشفاق وبدأت في وصلة بكاء تنم عما أنا فيه من حاجة وإملاق، فترك أبي ما بيديه وضمني وربت على كتفي وأغلق عينيه وقال : أنتِ صغيرتي المدللة، التي لا أرد لها طلبا، أطلبي ما تشاءين يا ريحانة قلب أبيكِ وقرة العين.
قصة ولا على الخاطر والبال - إلهام تطلب من أبيها المال
وقتها توقف شلال الدموع وأشرت بكفي أني أريد خمسة آلاف، هنا صاح أبي معترضا: أنى لك هذا! أجننت يا قرة العين، لقد تزوجت أمك المصونة بألفين، هنا احمرت وجنات أمي المصونة وأوشكت أن تدخل مع أبي في معركة غير ميمونة، تبدأها بجملة لقد كانت صغيرة مُغيبة غير أني
فائقة الجمال، ولهذا خدعني وأهلي هذا المحتال وبعد أن كنت لا يشق لي غبار، جعلني قليلة الحيلة وعقلي أشبه بمخ حمار، ولم يصمت أبي عن هذه الاتهامات فتحسر على شبابه وما فات و تنهد تنهيدة تملؤها الحسرات ورد عليها في ثبات: لقد أضعت شبابي أيتها الحيزبون بعد أن كنت
أجمل شباب الحي والكل من جمال محاسني مفتون، هنا صاحت أمي وقالت: أحضروا المرآة لكي يتطلع إلى قرعته ويرى مدى اتساع فاه، ويا حبذا لو نهض من مكانه لكي يتدلى كرشه أمامه، وبين جذب وشد وقلنا وقال تذكر أبي أنه خاسر كالعادة في هذا السجال، فأشر بيده نحوي
وسألني: هل مسحتي جميع النعال؟ فأجبته لا، هنا وجدها فرصة سانحة لكي يهرب من خصام أمي الذي كانت بوادره لائحة، فهز رأسه ونظر نحوي بعصبية وقال الناس لديها بنات وأنا عندي بلية، بطيئة الفهم ساذجة غبية، ولم أر بدا من الاعتراض لأنه بدأ في سرد المتطلبات و قدم شرحا
تفصيليا عما يقاسيه معشر الرجال من العسرات، تعجبت منه كنت من دقيقة ريحانة وبعد أن طلبت منه المال صرت أسوء إنسانة، لكن كانت خلاصة الكلام، بعد المشاورات وقليل من الهمهمة و الملام، أنه سيضع في محفظتي الإلكترونية ثلاثة آلاف بالتمام.
اقرأ ايضا قصة كدي يا ام عباس التي وعدها بعلها بقبر من النحاس
قصة ولا على الخاطر والبال - هدنة زوجية مؤقتة
أما أمي التي نهضت لكي تصلح له ملابسه وداعبته بجملتين لكي تمتص ما انهالت به عليه من التقريع في ساعتين وقالت: أقرعي المفضل ماذا تريد على الغداء أيها المبجل؟
فأخبرها أنه يريد مشوي الدجاج وأوصاها أن تكثر من سلطة الطحينة ولا تكثر من الفلفل الحار الذي يصيب معدته وقولونه العصبي بالازعاج ، بعد مغادرته أشارت أمي عليَّ بالذهاب للسوق وتفقد المنتجات واختار ما أراه مناسبا و
مضمون، لكني اعترضت في استياء وقلت لها: هل عدنا القهقري إلى الوراء، أم حقا تريني كما قال أبي مفرطة الغباء، هل نحن يا نبض قلبي في عهد أم برقوق حتى نشتري ما نحتاجه من السوق.
فتحيرت وقالت: لست أفهم هل ستكتبينها في قائمة الأماني فتأتيك بلا ثواني، أم سنحصدها مع محصول الشمام يا بنت همام؟
فأجبت: لا يا حبيبتي، سوف ألج إلى الإنترنت مثل أولاد الذوات وأبحث بين المعروضات عن أجود الخامات، ثم أطلب واختار ولسنا في حاجة إلى التجول في الأسواق ومناهدة الفصال ومناكفة التجار، فتعجبت جدتي وقالت: سبحان الله مغير الأحوال، اشترت جارتي أم عبدو بالأمس من أحد المواقع ثلاثة عشر فستانا لابنتها ميرال.
قصة ولا على الخاطر والبال - إلهام تتفقد مواقع الأثاث وتشاهد المعروضات
![]() |
أثاث |
وافقت والدتي على مضض، لكنني كنت سعيدة جدا وما أن كتبت كلمة أثاث ومكتبات، حتى انهالت العروض والإعلانات وجميعها بأبخس الأثمان وكلما وضعت تعليقا انهالت على هاتفي المراسلات.
لكن جذب انتباهي، صفحة عنوانها شعلان عتمان للتحف الفنية وتجميل المكان، فقط وحصري لعشاق التميز الممزوج بالأصالة المصرية وفي ذات الوقت مطعم بنفحات عصرية،
تفقدت ما هو معروض من صور ومعلومات وهالني الشكر في تعليقات المستهلكين وآلاف الإعجابات وفحوها أن هذا الشعلان بالفن والابداع موعود، فقلت في نفسي هذا هو
المنشود، وأخبرت أمي أن صانع في المنطقة الفلانية يصنع أروع وأدق التحف الفنية، وقلت لها آن الأوان أن أجلس على مكتب أشبه بمكاتب الأدباء وكبار الوجهاء وأصوغ كلماتي بلا عناء.
أخبرت أمي بضرورة طلب المكتب من المتجر الخاص بشعلان، فهو على ما يبدو بارع في تخصصه والجميع يشيد بأثاثه الراقي وتمرسه.
وعندما تفضل والدي وأرسل على حافظتي الإلكترونية النقود قمت بتحويل أول دفعة على الرقم المقصود،
وقتها تحمست وشعرت أن لي قيمة فها أنذا أختار ما أشاء دون أي عناء، وأخيرا اعترف أهل الدار بموهبتي الفذة باقتدار وأنني جئت إلى الدنيا لكي أصوغ الأفكار، ولم لا وأنا المواسية والكاتبة الحانية، كيف لا وأنا أختم دائما
كتاباتي بمجاملة رقيقة ودعواتي للقراء بالمودة والهناء. وصفتني أختي ذات مرة بأنني ساذجة أتعاطف في تعاملاتي مع البلهاء، لكن ما باليد حيلة فما ذنبي وعيناي لا ترى الخلق إلا مظلومين معذبين، ولا أعرف أهذه ميزة أم طبع مشين.
قصة ولا على الخاطر والبال ورد صفحة أثاث شعلان
بعد ثلاثة أيام جاءنا الرد من صفحة شعلان العتمان، والذي اختار الكلمات وكأنه أمهر فنان وطلب مني أن أحدد له ما أريد وطمأنني أن طلبي سهل وبالإمكان، وأرسل لي باقة أخرى لاختار منها وجميعها تليق بالقصور، لا بغرفتي التي
تشبه القبور، ولكن منيت نفسي بأن النجاح قادم وبقليل من التروي والمثابرة، لربما تألقت في عالم الكتابة واستضافتني صاحبة السعادة، ومن يدري ربما سكنت أحد القصور الفارهة وأصبحت قصصي ذات صيت ذائعة، اختتمت أحلام اليقظة عندما طالبتني أمي بإعداد كوبا من العصير،
صدقا بعد هذا الحلم النهاري الجميل شعرت بقليل من الرضى، وعدت أدراجي إلى المطبخ لأعد لها العصير، وعندما وجدتني أختي مستغرقة في التفكير، سألتني ما بك يا إلهام، أجبتها أفكر في التحفة الفنية وفي أي ركن سأضعها يا ذكية، فتعجبت وقالت أنت لست في حاجة سوى لمنضدة مستوية لا هي بالكبيرة ولا الصغيرة ، لتضعي عليها
حاسوبك وبعض الأقلام والأوراق، وإذا أمكن لو اخترتها بيضاء، لكي تتناسب مع باقي الأثاث ويحدث اتفاق.
قلت لها: لا تتعجلي فأنا أستاذة في تنسيق الألوان، سوف تكون منضدة يتحدث عن جمالها القاصي والداني، فقالت: عدت القهقري لعادتك الغريبة في إعلاء سقف طموحك؟ عن أي قاص تتحدثين ألا تفهمين؟ كل ما يهمني أن تبعدي أوراقك المتناثرة وتكفي عن الصياح والثرثرة ،
نظرت نحوها بعدم اكتراث وأخبرتها أن الغد القريب، يحمل في طياته جمهور عريض ومستقبل باهر وحياة مليئة بالإشادة والتمجيد .
قصة ولا على الخاطر والبال والدة إلهام تنهرها وتمنعها من الأحلام
هنا رفعت والدتي حاجبها معترضة، وقالت: أي جمهور أيتها الصفيقة، تمهلي واتركي أحلام اليقظة واذهبي إلى حيث كنتِ وأسرعي في عصر البرتقال و طهي الطعام، وإياك ثم إياك أن تحرقي الدجاج كما فعلتِ البارحة، لم أعد أحتمل التقريع من أبيكِ، صبي اهتمامك على الطبيخ و لا تنسي أن تلفي الدجاج بقليل من التوابل لكي يكون مستساغ الطعم جميل المنظر ولا يشبه القنابل.
عدت إلى المطبخ الذي قارب أن يضاهي الأجواء الاستوائية، وكيف لا وحر الصيف لا يطاق حتى أنني بت أحيانا أكتب على السلم لكي لا أشعر بالاختناق، أما عن المكتب فقد انقطعت أخباره وكلما تساءلت على صفحة العم شعلان عن سبب تأخره في تسليم المكتب، جاءت الإجابات شافية وبها من كم البلاغة والفصاحة الراقية، جعلتني الردود أثق بأنني على وشك استلام مكتب من تحف الزمان أو أنه أشبه بما كان يجلس عليه السلطان.
قصة ولا على الخاطر والبال - ما أصعب الانتظار
لم يكن يطلب القائمون على صفحة المبدع شعبان سوى شيئين وأعني هنا الصبر والمال، أما المال فدفعته رغبة في سرعة الاستلام، لكن الصبر لم يعد في الإمكان لقد حولت للمبدع شعلان المال على ما أذكر في أواخر الربيع ثم جاء الصيف وأوشك الخريف على الانتهاء، كل هذا وأنا مازلت
في المطبخ تتعاقب علي الفصول، وأوشكت أن تشتكي من ازعاجي الأواني وأطباق الفول، وكنت أتباهى كل يوم أمام الأكواب أن فراقي للمطبخ أصبح على الأبواب، ولكن يبدو من كثرة طلب القائمين على صفحة شعلان بالتمهل أن المقالات والحكايات ستظل لفترة طويلة بطعم التوابل والبهارات.
قصة ولا على الخاطر والبال - وصول التحفة الفنية التي تسر الناظرين
في أحد الأيام الشتوية دق جرس الباب فنظرت من الشرفة لأتبين من القادم، فإذا بها شاحنة التوصيل، نزلت والفرحة تلفني وكدت من فرط السعادة أن أنزلق فتكسر قداماي، يا ربي أيعقل أن الفرحة تسلب الإدراك!
لكن الله سلم ونزلت الدرج بمنتهى السرعة التي سرعان ما صاحبها الحرج، إذ أن السائق الثقيل أخبرني أنني لن استلم المكتب إلا بعد أن أدفع أجرة التوصيل، فقلت له: لقد سددت كافة الرسوم لا تكثر من الجدال دعني أرى المكتب في الحال.
هنا أقسم السائق بالأحياء والأموات أنه لن يفتح الباب إلا عندما أدفع المال وأوقع باسمي كاملا على الايصالات،
دفعت إليه المال على مضض ثم خيرني بين أن يتركه بجوار الباب أو أن يصعد به إلى أعلى الدرج، فشعرت من ذوقه المفاجئ بالحرج، وأخبرته أن يضعه في أي مكان، ثم نظرت إلى داخل شاحنة التوصيل فوجدتها فارغة تماما، فتساءلت في غضب: أين المكتب مالي لا أراه هل سقط في الطريق أم توفاه الله؟
فأشار بأصبعه إلى زاوية مظلمة في الشاحنة وقفز وأخرج صندوق صغير، وقال بابتسامة غبية: معرض شعلان عتمان يتمنى لكم الراحة مع ابداعاته الخشبية وإياك أن تغفلي عن تصوير المنتج وكتابة التقييم مثل البقية.
قصة ولا على الخاطر والبال - إلهام تقع فريسة للاحتيال وتنوي الانتقام
غلبتني الدهشة فلم أستطع الكلام، وأخذ عقلي يلح في السؤال عن طبيعة المنتج وهل يعقل أن يكون مكتب ! بالكاد يمكنني أن أضع عليه بعض الأقلام، لابد أن هذا الشعلان العتمان يمزح بلا ريب، حملت المكتب بكل سهولة ووضعته في غرفة الاستقبال، وعندما رأته أمي قالت بنبرة تبكيت: لماذا جلبتِ إلى الصالة صندوق الكتاكيت ، فأجبتها بأنه المكتب الذي صنعه العتمان.
علت الدهشة قسمات وجه أمي وقالت ربما إذا سكبنا على جنباته الماء اهتزت وربت أو تحولت لأي شيء غير هذا الصندوق، أكل هذا المال من أجل هذا الشيء على أربع؟ هيهات أن يكون هذا المنتج مكتب أو حتى منضدة ربما هو صورة مصغرة، وبعد قليل يعود سائق التوصيل ومعه المنضدة الحقيقية.
عدت أجر أذيال الخيبة واعتذر في ذل إلى الأطباق والقدور، وأقسمت أن أضع أسوء تقييم على صفحة شعلان، واتضح فيما بعد أن كل الصور على صفحته ملفقة، ولا تمت بأي صلة إلى إبداعاته بل هي مفبركة.
قصة ولا على الخاطر والبال وحيرة الكاتبة
قصة ولا على الخاطر والبال - إلهام تعود للكتابة في المطبخ بجوار الأواني
كرهت المكتب العجيب، الذي بالكاد يتسع لمزهرية صغيرة وبعض الأغراض، صدقا لم أعد أجرؤ على طلب المزيد من المال فلقد عيرتني أمي شهرين و طالبتني بالقيام بالطبخ والتنظيف لمدة عامين، أما أبي فأقسم بكل ما هو مقدس
وغالي ألا يركن إلي كلامي وأن يجعلني عند طلب المال منه أعاني، ولقد تعلمت الدرس وفطنت إلى الحيلة ولكن بعد فوات الأوان، وصدقا ما العيب في أن نذهب للسوق ونختار ما نحتاج إليه بعد أن نتفحصه بدقة وتريث.
شاهد فيديو لله ما أحلى الطفولة
أما إذا كنتم من عشاق التسوق عبر الإنترنت، فعليكم باختيار الشركات المضمونة ذات المصداقية، ولا تنجذبوا إلى أمثال شعلان عتمان الذي اتضح أنه ثعلب في صورة إنسان. أصبحت بعدها أختم قصصي بحكمة استخلصتها ألا وهي" إذا لم تكن ذئبا، بما لا تشتهي السفن، طلع البدر علينا".
دمتم بكل ود.