خاطرة حبيبتي حضرت بعد غيم خواطر تأملية - أنامل عربية

خاطرة حبيبتي حضرت بعد غيم خواطر تأملية
الكتابة

حبيبتي حضرت بعد غيم

كنت في كل فصول حياتي أكتب، في فرحي وحزني واتّزاني واختلالي، في فوضاي العارمة ومثاليتي المفرطة.

في اللقاء والفراق، لقد اخترتُ الكتابة نصفًا يكملني، رغم كمالي وقدرتي على إكمال نفسي، ولمّا عزفتُ عن الكتابة لشهور وجدتُ الأعمق من الكتابة، لم أحزن على تلاشي كلماتي، وعلى شحة أحرفي، ولم أجزع لذكرى ماضي التليد الذي كان فيه القلم سيفي وصديقي وحبيبي، جعلته رفيقًا لي حتى عند النوم.

خاطرة حبيبتي حضرت بعد غيم - قلمي سيف في معركة الحياة.

لكنني تساءلت : كيف لمعلمة اللغة العربية تشرح بطلاقة وتحرم نفسها الكتابة؟ كيف لغوية ومدققة تهملُ نصفها (الكتابة) !

كيف لمن أبهرت معلميها في الصف الرابع بكتابة تعبير مؤثر عن الأم وترددت صدى كلماتها في مدرسة لا يقل طلابها عن ألف طالب بعبارة خالدة، وعبارتها تناقلها الناس وكانت سبب شهرتها وظهور فن الخطابة والإلقاء وكان نص العبارة : " ظلموكِ يا قرة العين حينما قالوا اليوم عيدك "؟

كيف لمن اتّخذ القلم خليلا أن ينسى خليله؟

ثم جاء عذرا أظنُه واهيًا :

وجدتُ الأعمق من الكتابة، إنها لغة لا تندثر، لا تخطئ في اختيار المفردات، قاموسها متجدد ومؤثر، تختصر الشرح والتفسير، لا تحتاج إلى كلمات، إنها لغية العيون.

و سمعتُ همسًا : لغة العيون أعمق، تقول كثيرا دون كلمات، وتحبُ كثيرا، وتشعر كثيرا وتحتوي وتعاتب وتطمئن وتواسي وتنشر الأمل دون كلمات.

تقاطع الهمس تساؤلات تكاد تكون صرخات: الكتابة أعمقُ فمن منا يفهم لغة العيون؟ وإن فهموا لغة العيون فهم قلة، لكننا نفهم الكتابة بلغتك المؤثرة الموحية التي تلامس أعماقنا وجمعنا كثير .

اقرأ ايضا خاطرة صديقي أبي 

أجيبهم : لغة العيون أعمق لمن يفهم تلك اللغة ويجيدها وفيها إيجاز ومجاز وجمال وكمال وسحر وسر.

أمّا الكتابة فعميقة ورائعة تصف الشعور، وتلامس الأعماق، إن كتبت حرفا من القلب يصل للقلوب دون نصَب، وتُفهم مفرداتي وتنساب إلى كل من يتمعن، والكتابة تهدي البعض للرشدِ إن اختاروا ما يعلو بشأن النفس والإنسان وعلاقتهم بمن حولهم، تهدي لعلاقة الإنسان بربه وسكينته في قربه والالتزام بطاعته، وتُضل البعض إن اختاروا سفاسف الأمور التي تضرُ أكثر مما تنفع، تضر حين نأخذ بالجزء وننسى الكل، ونهتم بالفرع ونهمل الأصل، وحين نفقد القيم والأخلاق ونجعل منهج كتابتنا يستند للضعف والوهن.  

خاطرة حبيبتي حضرت بعد غيم للكاتبة فاطمة اليوسفي
القلم 

خاطرة حبيبتي حضرت بعد غيم - القلم صديق الطفولة والشباب والشيخوخة

والكتابة جواز سفر نعبر به العقول والقلوب، و نُغيّر فكرة، ونرتب شعور، ونزيل وهْمًا و هَمًّا، و ننشر فرحا، ونزرع أملاً، ونقطف خيرًا، ونرنو طربًا، ونوزع فكرًا.

اقرأ ايضا خاطرة هذا الربيع آت بعد ألف عام 

في كتابتنا يتزن العقل، تهذب النفس، يُرهف الحس، يطربُ القلب. في كتابتنا يُتضح الغموض، تأتي الإجابات صفًا لأسئلة تراود عقول الناس، تُصحح المفاهيم، يعرف المجهول. وبعد كل هذا تقاربت الكلمات و دنا مني القلم وسكنت أعماقي الحروف وترتبت.

خاطرة حبيبتي حضرت بعد غيم - الموت في حياة الكاتب توقفه عن الكتابة

وكما كانت الكتابة الكنز العظيم هي كذلك دائما، والقلم كما كان هو كذلك السيف والصديق والحبيب والرفيق هو باقٍ ما بقيت في الحياة. 

والفصل الذي لم أكتب فيه أسميه الشتاء ولو كان ربيعا في الحقيقة. والحدث الذي لا يثير مشاعري ولا خلجات النفس كي أكتب فهو عابر.

وبكل فخر أقولها : إنما الكتابة روح وعزم وحياة.


بقلم الأنامل اليمنية:

" فاطمة اليوسفي "

رأيك يهمنا

أحدث أقدم