قصة خمسة فهلوة قصص قصيرة - أنامل عربية

ما بين حقك وحقوق الآخرين وما تريده وما تتطلع إليه ممن حولك، يظل سؤال يطرح نفسه بقوة، لماذا ندرك حقوقنا بشدة ونتغافل عن واجباتنا نحو الآخرين؟ 

يا سادة ليس التطفيف في الكيل والميزان فقط بل في كل  نواحي الحياة. هل أنت من الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم ينقصون؟ أم أنك عادل في تعاملاتك؟ هيا لنقترب من سلسبيل لنرى كيف تزن الأمور في حياتها. 

قصة خمسة فهلوة- الاستاذة سلسبيل
سلسبيل

قصة خمسة فهلوة

صباح هادئ على غير المعتاد، ترجلتُ من الحافلة المكتظة بصعوبة ثم أخرجت لساني لذلك الأحمق الذي أمطرني بوابل عن أهمية عودة المرأة للحرملك والترفع عن مزاحمة الرجال لأننا تسببنا على حد ظنه في تضييق العيش و تكدير صفو سوق العمل.

حاولت أن أجد دبشة لأقذقه بها غير أن الأرضية خلت تماما من أية حجارة، نظرت عن يميني فإذا سجادة حمراء طويلة عالية الوبر تكاد تخلو من البقع  أكاد أجزم أنها أنظف من سجادة غرفة الضيوف في بيتنا، على جانبيها عدد لا بأس له من أُصص الزرع بها زهور يانعة تنتمي لفئة الأزهار التي أراها في مناسبات علية القوم. 

دققت النظر فمن المحتمل أن أكون أخطأت وجهتي عن غير قصد ودخلت أحد المشاتل أو متجر للزهور لكن بدون فائدة نفس النوافذ غير أنها تخلو من الأتربة، شعرت بتشوش في رأسي، ولم لا طالما اصطبحت اليوم بوجه هذا الكائن  المدعو شاكر كامل، يا إلهي لا ينفك يتلصص على المنطقة بأسرها منذ أن استأجر محل الهواتف ولا شاغل له سوى معرفة أخبار القاصي والداني، ليس هذا فحسب بل هو حسود من الفئة العليا إذا صدرت منه جملة لخصوص

ممتلكاتك فنصيحة أن تسترجع وترجو العوض من الله؛ لأنها بلا شك هالكة ومصيرها المحتوم مكب النفايات، أذكر أنني ادخرت من راتبي لشراء معطف شتوي جديد لكن لسوء الحظ رمقني شاكر بعينيه الصفراء قائلا:

" شيك جدا يا أستاذة سلسبيل، وشكله غالي"

 لم أخطو بعدها سوى بضع خطوات ثم وجدتني رأسا على عقب في أحد البلوعات حمدا لله كان غطاءها مهشم لم أنزلق فيها وإلا كنت في خبر كان، وحده معطفي البنفسجي الجديد انقسم إلى نصفين ولاحقا قامت أمي بعمل بنطالين لآدم ابن أختي. 

من وقتها وأنا أتجنب تماما المرور من أمام محله وأفضل أن أقوم بالتفافة من أحد الشوارع الجانبية، قبحك الله يا شاكر وكل من كان على شاكلتك.

قصة خمسة فهلوة وتغير مدخل المؤسسة

نظرت ناحية الناصية فإذا بها خالية من الازدحام المعتاد، لقد اختفت تماما عربة الفول الخاصة بعم بدوي و التي كنت اشتري منها يوميا ساندوتشات الفول بالزيت الحار، لكن تُرى هل أخطأت وجهتي؟

نظرت خلفي فإذا هي المحطة السابعة وها هي صورة الراقصة زوزي في إعلان ورق التواليت تُزين واجهة منزل الكوبري، ما الجديد يا تُرى؟

هل تم جر المؤسسة عمدا إلى مكب النفايات؟ في واقع الأمر هذا ما أتوقعه بعد أن تعددت شكاوى العملاء لدى جميع الجهات الرقابية والإدارية، لكن لم يأتني أي خطاب مسبق بشأن التخلص من مؤسستنا العريقة. 

سمعت صوت عم زغلول وهو يقول:

" يا أستاذة سلسبيل..يا أستاذة سلسبيل"، 

لم أتبين مصدر الصوت لكن بعد أن وضعت نظارتي الطبية إذا بعم زغلول مشرف النظافة واقفا خلف أصص الزرع ملوحا بإشارات توحي بضرورة أن أتبين حقيقة الإشارات التي قد أستشف منه أنه قد تم لدغه بثعبان مبين.

تقدمت نحوه فهمس لي: " معالي نائب الوزير جاي زيارة مفاجئة للمؤسسة الساعة ٩ ونص" ابتسمت بخبث وقلت له: " نورت بصيرتي كتر خيرك يا عم زغلول، دنا اتخضيت ".

ابتسم هو الآخر قائلا: " لا تتخضي ولا حاجة أول ما تشوفي السجادة الحمرا دي والزرع اعرفي إن فيه زيارة مهمه، يلا بسرعة سجلي حضور بالبصمة وجري على مكتبك ربنا يعدي النهاردة على خير".

هززت رأسي بالموافقة وانطلقت إلى مكتبي، بدا التوتر على وجه زميلتي الأستاذة وجدان وعندما استفسرت منها أخبرتني أن الأستاذة عايدة طلبت منها ألا تتناول طعام الإفطار لحين مغادرة نائب الوزير، رمقتْ بحسرة حقيبتها المملوءة كالعادة  بما لذ وطاب من الأطعمة والمقرمشات،  اعتادت وجدان أن تمضي ساعات العمل في تناول الطعام أو البحث عن وصفات طبخ جديدة يعود لها الفضل في تعليمي كيفية إعداد الباتيه و الكروساه.

قصة خمسة فهلوة - قلق بين موظفي الهيئة بسبب تغير الروتين اليومي 

قصة خمسة فهلوة الأستاذة وجدان
وجدان 

 وجدت أستاذة نوال تبحث في أدراج مكتبها عن الموازنة العامة للمؤسسة لأن المدير طلبها، أما أستاذ جلال فبدا منهكا إذ اعتاد أن يسجل البصمة ثم ينطلق عائدا إلى شقته لينام ثم يعود في تمام الثانية إلا ربع ليسجل الانصراف. يعمل أستاذ جلال كموظف استقبال في إحدى المستشفيات الخاصة، فور رؤيته تذكرت الراكب المتحاذق الذي تحدث عن ضرورة ترك سوق العمل للرجال. 

لم ألتق الأستاذ جلال لمدة تزيد عن الخمس دقائق سوى في حفل بلوغ مدام لطيفة سن الكمال جلس وقتها متناوما على كرسي في آخر القاعة ولم نشعر بوجوده إلا عندما سقطت عليه سهوا احدى سماعات القاعة.

قصة خمسة فهلوة وانزعاج الأستاذة سالي 

قصة خمسة فهلوة سالي
سالي

بدت زميلتي الأستاذة سالي متبرمة فلقد اعتادت أن تتصل بجميع أفراد أسرتها ابتداءً من والدتها الحاجة نعمة ثم أختها شيرين ثم لاحقا بنت خالتها نوجة، كل يوم بنفس الترتيب وتقريبا نفس المحادثة التي تستهلها بالشكوى من عاصم زوجها وما يسببه لها من ضيق بسبب إهماله وتفضيله لأخته المطلقة وعيالها على حساب راحتها، ثم انتهاءً بالشكوى المعتادة من المناهج الدراسية والتقييمات وما فعلته معلمة اللغة الإنجليزية وما تقوم به معلمة الرياضيات.

فتحت أدراج مكتبي فإذا هي خاوية على عروشها، تذكرت طلب الأستاذ عوض مصيلحي الذي ينفك يتردد طيلة أربعة اشهر على المؤسسة لمنحه موافقة ما، قلت لا بأس من أن يفرح الأستاذ عوض قليلا لهذا قررت أن أفرج عن طلبه تزامنا مع قدوم نائب الوزير.

مرت الاستاذة عايدة رئيسة القسم مرتدية حلة أنيقة بعض الشيء خلفها كان الأستاذ مكرم عصفورة السكرتير المساعد، لا ينتمي مكرم  لعائلة عصفورة ولا غيرها من الطيور، لكنه ينقل ما يدور في جنبات المؤسسة للسيد رئيس المؤسسة أولا بأول ليحظى بالمكافآت والترقيات والسفريات الفخمه؛ لهذا استحق بلا منازع لقب "عصفورة ".

أقبل الأستاذ سالم مبتسما وبرر أن حالته المزاجية الإيجابية تعود إلى أنه نجح في اختراق شبكة قنوات مشفرة ومن الآن فصاعدا سوف يشاهد جميع المباريات أثناء بثها المباشر، الأستاذ سالم مشجع كروي أصيل يحفظ لوائح الفيفا وجدول مباريات الدوري الأوروبي والمصري فضلا عن أسماء اللاعبين والمدربين والجهاز الطبي لجميع النوادي، أكاد أجزم أنه مولود بأحد الملاعب في استراحة ما بين الشوطين.

تعيس الحظ وحده الذي يتعامل معه وقت هزيمة فريقه المفضل حينها تنتفخ عروقه مثل الديك الرومي ويكيل السباب للقاصي والداني.

تسلمت من رئيسة القسم بعض المستندات المتأخرة وحثتني على إنهائها، ابتسمت لها ونظرت لزميلتي منى التي انهمكت في تعديل مساحيق التجميل أملا في أن تجد فارس أحلامها ضمن الوفد المرافق لمعالي نائب الوزير.

لا أعلم حقيقة متى تستيقظ منى لكي تقوم بكل هذا التأنق، وجهها به ما لا يقل عن عشرة أصناف ما بين كريم الأساس وأحمر الشفاه ومحدد الشفاه و ملمع الخدود ومبحلق العيون ومطيل الرموش وغيرها الكثير، أنا بالكاد أبصر الحوض ثم أغسل وجهي ببعض المياه لاحقا أنطلق إلى خزانة الملابس لأرتدي أيه قطعة أمامي.

منذ نعومة أظافري لم أر أية مواد تخص التجميل على تسريحة والدتي تبدو كصحراء جرداء لا أحمر شفاه عليها ولا مرطب فقط علبة كريم شعر صغيره وتقف بجوارها فرشاة وقلم كحل يتيم تستخدمه أمي على استحياء في الأعراس العائلية، يمقت والدي التبرج ويعتبره خطيئة لا تغتفر ويرى أن مساحيق التجميل كذب وتدليس ويحب أن تزج من تتزين في غياهب السجون بتهمة التضليل والتلاعب، 

إذا برزت خصلة من شعري سهوا كال لي سبابا يتشابه مع ما يسمعه أسرى الحروب لهذا أوثر السلامة. بعد لحظات قدم إلينا معالي نائب الوزير ورأيت بأم عيني رئيس المؤسسة الذي لم يبتسم قط منذ ولادته يتلطف ويتودد إليه، حملت رئيسة القسم باقة من الزهور وقدمتها له فناولها لمساعده. رأيت الأستاذ مكرم يقبل يد نائب الوزير فعلمت أنه سئم المؤسسة ويحاول جاهدا أن ينتقل لقطاع آخر.

اقرأ أيضا: قصة أوراق الخريف  

قصة خمسة فهلوة وشكوى الأستاذ عوض مصيلحي 

من بين الحشود تعالى صياح أحد المواطنين الذي أصر على مقابلة نائب الوزير، رغم محاولة عم زغلول والأستاذ جلال والأستاذة نوال متضامنة مع سالي في التصدي له، إلا أن المواطن لم يستسلم ونجح في الوصول إلى سيادة نائب الوزير، تحققت من قسمات وجهه فإذا هو الأستاذ عوض مصيلحي نظرت إلى الاستاذة رئيسة القسم فوجدتها قد تغير وجهها واستحال إلى لون الكركم، أخبر الأستاذ عوض نائب الوزير بما حدث له منذ أن دخل مؤسستنا الموقرة من أربعة أشهر،  

يالك من مواطن حاد الذاكرة أسود القلب، يتذكر كل شيء بالكلمة والحرف، لا يدري هذا الأرعن العجول أننا في المؤسسة ندربه على خلق الصبر وعدم التسرع ليس هذا فحسب بل نضعه عن طيب خاطر منا ضمن فئة المظلومين وبهذا نضمن له استجابة الدعوة، ثم يقابل كل هذه المنح بالتبرم والشكوى عجبا لمواطني هذه الأيام.

ارتسمت علامات التأفف على وجه نائب الوزير وقام بنفسه بالموافقة على طلب الخاص بالأستاذ عوض مصيلحي ثم حولنا جميعا إلى النيابة الإدارية للتحقيق بشأن شكوى الأستاذ عوض مصيلحي وكتب تقرير أن المؤسسة بها تسيب بالغ واهمال ويعد دخولها لتخليص الأوراق عقوبة في حق المواطنين البسطاء.

كان يوما عصيبا لم ينج فيه سوى الأستاذ مكرم عصفورة لأنه كان منتدبا طيلة الأربعة أشهر في ديوان الوزارة.

ذهبنا في اليوم التالي متبرمين متضررين صحبة إلى النيابة الإدارية كنت كمن يساق إلى الموت فأنا دائما أتفنن للهرب من المساءلة، لم اعتد على التحقيقات وما يتبعها من قرارات وقف الترقيات و الخصم من راتبي.

اقرأ ايضا قصة ولا على الخاطر والبال

أقسمت الأستاذة عايدة رئيسة القسم بأغلظ الايمان أنها سوف تضاعف العقوبة على الجميع ابتداءً من منع الخروج إلى أن يحين موعد الانصراف انتهاءً بمنع الموظفين من استخدام شبكة الواي فاي، تبادر في ذهني صورة الأستاذ جلال وهو نائم في خزانة الأرشيف لأنه لن يتسلل كعادته فضحكت بشدة، و تبينت بكل أسف أنني لن أقوم بعد اليوم بتصفح الجوال ولا متابعة المسلسلات الكورية وسأضطر آسفة إلى مراجعة أوراق المواطنين، شكت الأستاذة سالي من أنها لن تطمئن على والدتها المسنة وستنقطع صلة الرحم بسبب القرار الغاشم.

قصة خمسة فهلوة للكاتبة أسماء خشبة
مواجهة

قصة خمسة فهلوة ومواجهة الحقيقة

بالطبع سينجو مكرم عصفورة والعم زغلول، عدت مع الاستاذة سالي عقب سماع القرارات الجديدة في الطريق تقابلت مع الأستاذ سراج محسن من قسم العهدة فشكوت له قرارات رئيسة القسم، الأستاذ سراج بمثابة الأب الروحي للمؤسسة يُعتبر من أقدم الموظفين ويساعد الجميع ويحرص دائما على التفاني في عمله لأقصى درجة، بعدما قصصت عليه ما قد كان بادرني بسؤال:" تقبلي انك تنجرحي في مطبخك وتروحي المستشفى علشان تخيطي الجرح فيقولولك تعالي بعد شهر؟"

أجبته: " يا خبر أبيض بعد شهر! حقي اتعالج على طول يا أستاذ سراج"

سألني:" طب افرضي معندهمش وقت غير بعد شهر لانهم مشغولين"

أجبته:" مشغولين ازاي؟! دا الجرح يلم ميكروبات ويعمل صديد، دا حقي إني اتعالج، دنا أروح فيهم في داهيه"

أجابني:" أهو لازم تعاملي الناس بردوا كدا وتخلصي اوراقهم لأن دا حقهم، زي مانتي عارفة حقوقك لازم تعرفي واجباتك يا أستاذة سلسبيل، علشان يكون مرتبك حلال"

قلت بحدة:" مرتب أي يا أستاذ دنا باخد ملاليم ومش بتكفيني لآخر الشهر"

فرد عليا: " لما تشتغلي بضمير ربنا هيبارك ومرتبك هيكفي، يا أستاذة سلسبيل الحياة مش فهلوة ولا إزاي أضيع الوقت ومشتغلش، اللي نفسه الدنيا تبقى حلوة وياخد حقه يبتدي بنفسه ويغيرها ومع الوقت الدنيا هتبقى جنة".

رددت: "أهو كله بيعمل كدا مجتش عليا"

فقال معاتبا:" الغلط هيفضل غلط ولو عمله كل الناس والصح بردوا هيفضل صح ولو معملوش حد. "

قلت له:" أيوة كدا أظهر وبان يا أستاذ سراج شكلك من بتوع لازم الستات تقعد في البيت."

ظهرت عليه علامات المفاجأة وقال: "مين قالك كدا، المجتمع محتاج الست المتعلمة زي الراجل، عايزين طبيبه ومعلمة وأستاذة جامعة وكاتبة وشاعرة، دا أحمد بك شوقي قال: الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق، يا سلسبيل يا بنتي أنا طول عمري بشجع تعليم البنات و مش ضد خروج الستات بس يخرجوا يشتغلوا بضمير."

سألته بغضب:" يعني وهو الرجالة يا أستاذ سراج اللي مقطعين نفسهم شغل بضمير؟"

أجاب: "هنا مربط الفرس كله باصص للتاني فلان واخدها فهلوة يبقى أنا كمان لو كلنا اعتمدنا مبدأ الفهلوة المؤسسة هتخرب، يا ريت  الكل رجالة وستات يشتغلوا بضمير علشان حياتنا تتحسن."

عُدت إلى بيتي وكلام الأستاذ سراج يشغلني، أيعقل أن راتبي حرام وأتساوى مع المجرمين واللصوص لأنني لا أهتم بشؤون وأوراق المواطنين؟

_ماذا لو تلكأت وتملصت من المواطنين مثل غيري الكثيرين؟

_ هل صلاح المجتمع يعتمد علي وحدي؟ 

_ما الضرر في أن أتعامل ببطء مع الناس وأفعل ما يحلو لي في أوقات العمل الرسمية؟

دمتم بكل ود

1 تعليقات

رأيك يهمنا

أحدث أقدم