رواية هرارة الرماد روايات رومانسية جزء ٩ - قصص عربية

              

رواية هرارة الرماد روايات رومانسية جزء ٩ - قصص عربية
رواية هرارة الرماد 


رواية هرارة الرماد الجزء التاسع  

رواية هرارة الرماد وجليس القبور

كانت ليلة باردة على عجوز ضعيفة كرمانة, جلس الممثرر على قبر زوجها جلسة القرفصاء، وغدا يغيب عن الوعي 

رويداً رويداً. كانت تحمل الفانوس بعيدة عنه والبرد يعصف بجسدها النحيل والخوف يأتيها محمولاً مع عوي ذئاب الليل. 

وحولهم الجنادب تلحن أغنية كأنها أغنية الفناء على أشجار المقابر. فجأة، ارتعش الممثرر منتفضاً كأن الروح قد ولجت في جسده من جديد وأفاق بمقلتين بيضاوين في مشهد مرعب لا يصدقه إلا جاهل. 

اقتربت منه بحذر تنشد اطمئنان قلبها المكلوم فبدأ ينوش برأسه كأنما يهش ذباباََ ويردد:

"لا حياة إلا للحي القيوم "

سألته في وجل:

" ما بال أبو نصير ضائق في قبره؟ "

اقترب منها بخبث وأدار رأسه باتجاه البدر في كبد السماء خوفاً من أن تظهر عليه علامات الدجل فتكتشفها بقوة فراستها:

"زوجك مديون خمس دنانير ذهبية للقاضي بهيج يحمى عليها كل يوم ويكوى بها جبينه "

لم تقوى العجوز على تحمل الصدمة فصكت وجهها وأخذت تبكي وتمسح دموعها بطرف طرحتها وتردد متعجبةََ:

"لماذا لم يخبرنا بهيج بذلك الدين؟ "

فأجاب الممثرر وفي وجهه علامات حزن مختلق مزيف:

" قال أبو نصير أن القاضي بهيج خشي أن يعايره الناس بقلة أصله واستقوائه على الأيتام وأمهم… فسكت عن حقه ولم يسامح "


رواية هرارة الرماد وسداد دين الجهل المتأخر

نظرت إليه وقد استحكم الألم من جوانحها وسألت:

"هل علي الآن أن اسدد ذلك الدين ليغفر الله له… ويدخله الجنة؟ "

فهز اللعين رأسه بالإيجاب وأضاف:

" عليك ايضاً  دفع درهم فضي ثمن دراسة القرآن بحق تأخرك كل هذا الوقت للأعمى مهدي "

واشرقت شمس صبح الخميس لتنطلق العجوز التي لم تكحل عينها بالنوم باتجاه دار القاضي بهيج لتسدد ذلك الدين الثقيل بكل ما لديها من مال مدخر وتناشده الله أن يكتم ذلك التقصير ويسامح زوجها! 

ثم اتجهت إلى مهدي الأعمى ودفعت له درهماً فضياً كاملاً ليدرس لزوجها ما تيسر من القرآن عل الله يغفر له! 


رواية هرارة الرماد وانتشار الآكلة  

كلاً بمحراثه بعد ثوره منشغلاً في أرضه. أما نظير فترك البتيل لابن عم زوجته واتجه إلى سوق القرية لبيع قاته في ذلك السوق الواسع الذي يقبل إليه المقاوتة من كل قرية. 

وكان في السوق نوعاََ من الحمى قد تفشت بين الناس لم يعرف أحد سببها لكنها شديدة وتطرح الناس طرحة الموت لكن نظير لم يأبه لتلك الأخبار. 

كان أهل القرى يسمونها الآكلة وقد بدأت بالتفشي في تلك القرية المجاورة للسوق. اختلط بهم نظير بقوة ولم يعد إلى قريته إلا وقد ظهرت عليه علامات خفيفة للحمى. 

وعند غروب شمس يوم الخميس، كان الممثرر يتقاسم مع القاضي بهيج تلك الدنانير التي غنماها من العجوز بعد أن أخذ حقه من الأعمى في عصر ذات اليوم. 

كان نظير يرتجف برداً تحت غطائه والحمى تسري في جسده سريان الدم. وعند بزوغ فجر الجمعة؛  رحل نصير متجهاََ إلى الحجاز في تجارة له قبل أن يختلط بأخيه المريض.

 كان نظير أول من أصيب من أهل القرية بالوباء، و ماهي إلا أيام  وبات طريح الفراش وبدأت تلك الحبوب المليئة بالقيح السام تفور في وجهه كأنها حمم الجحيم فبدأ أهل القرية يشكون في أمر مرضه ولم يعد يقربه أحد! 

لكن الأمر قد فات على الاحتراز والوباء فعلاََ بدأ بالتفشي. وعندما شعرت زوجته الكلبانية أنه مريض بمرض الموت تركته لتعتزل الوباء في دار أهلها. 

ولما وصلت العنقاء دار الشيخ مفرح، تحاشاها كل من في المنزل وقرروا عزلها في علية المنزل أربعين يوماََ حتى يطمئنوا أنها خالية من المرض لكنها كانت خالية فعلاً وبكامل صحتها. 

بدأ الوباء بالتفشي في بيوت أهل القرية لا يدع إنساناََ إلا وهاجمه عدا بعض الناس! 

كانت لهم أجساد مليئة بالبقع السوداء والندوب التي تدل على مس الجان في ظن أهل القرى ! 

ومر الوباء عنيفاً ينهش وجوه الناس ويقتل من يقتل ويسرق أبصار من نجى من الموت كضريبة على الحياة.  

 

رواية هرارة الرماد تودع نظير وأمه

دفعت العجوز بمشاعر الأمومة وذهبت لترعى نظير الذي فارقه جميع الناس وتجنبوا الاقتراب منه خشية العدوى. 

كان نصير حينها قد غادر القرية في طريقه إلى الحجاز ولم يصله خبر تفشي الآكلة في قريته، وعجزت رحيمة منع حماتها العجوز من زيارة ابنها المجدور! 

كانت العجوز تحاول جاهدةََ إنقاذ ابنها العاق من الموت المحقق بتقليبه في التراب وغسله كل يوم بالسدر ونبتة 

الثعب المعقمة ثم رشه بالرماد محاولة تجفيف جراحه، لعل ذلك الجمر في جسده يقرر الإنطفاء عبثاً، فقئت عيناه وانطفأ بصره وتفاقمت اصابته وكان نظير أول من مات في القرية!

خوفاً من الوباء المرعب ومن الموت لم يحظر الكثير من الناس لصلاة جنازته وحمل نعشه. فحمل جنازته أربعة أعداء له هم، الحجام والدباغ والخضري والمجذوب.

وهم اكثر الذين عانوا من سوء ادبه وتنمره وعنصريته في حياته استجابة لتوسلات العجوز المريضة بعد رفض 

الجميع الاقتراب من جثمانه الذي تعفن سريعا. واثناء سيرهم باتجاه القبر تمتم الدباغ بعبارة تدل على بغضه له:

"ثقيل ثقيل، لا إله إلا الله …والله انه مشلول معهم! "

فأجاب عليه الحجام ساخطاََ متشائماً:

"اعوذ بالله منه لم يكن به خير"

ضحك المجذوب وكان متصوفاََ يتجنب النميمة فهلل وكبر ثم قال:

"رحمه الله كان عاقاََ سيئ الخلق والسمعة وحتى زوجته الكلبانية المخاوية التي لا يقربها أحد، لم تقربه اليوم! "

ابتسم الدباغ  بفضول وسأله متعجباً وقد رسمت حول عينيه تجاعيد السرور بما سمع من أمر الكلبانية وسره أن يسمع المزيد من الحديث الذي يشفي غليل الصدر من ذلك الجثمان الجاثم بنتنه على اكتافهم:

"وما ادراك أنها كلبانية "

نوش المجذوب برأسه كأنما ينفض فكرة قد عبثت بتقواه وإيمانه ثم عاد واستغفر وظل صامتاً. ولما وصلوا إلى القبر كان الجميع مقتنعاً أن الجن قد خطفوا نظير!  

مستدلين بالخرافة القديمة أن من وجدوا في نعشه ثقل فقد اخذه الجن ووضعوا مكانه كوماً من حطبهم

حفروا ذلك القبر ولحدوه بتأفف سريعاً ثم خرجوا... وحثوا عليه التراب بسرعة وهربوا ونسوا أو تناسوا أن يقوموا 

بترميم القبر ولم يأتي اليوم التالي إلا ونباش القبور قد نبش قبره وأكله. 

تفاقمت الحمى في جسد العجوز ومرض كثير من أهل القرية حتى توالت أخبار الموت المرعب الذي كان  يمر على الديار ضيفاً ثقيلاً لا يخرج إلا بضيافته !

أو كغازٍ غائرٍ لا يخرج إلا بغنيمته، ثم مات الكثير والكثير من الناس حتى أن بعضهم لا يكاد يبكي على بعض. ماتت 

رمانة من الجدري وحضر جنازتها كثير من أهل القرية غير مكترثين بالعدوى وقد استسلموا لأمر الله واعتادوا على الأمر واستعدوا للموت استعدادهم للحياة وحملوا جنازتها خفيفة كأنها خالية. 

تبعها كثير من الناس يهللون ويكبرون ويذكرون طيبتها وكان أبو العنقاء في مقدمة الجنازة يشيد بأخلاقها ويمسح دموعه بشاله ثم قام مع قيّم الجامع بدفنها وترميم قبرها. 

فمن تلك التقية التي يشيد بها اشد الناس لها بغضاََ ويحلف اعداءها بشرفها إلا حصينة اللسان، عفيفة البدن، كفيفة الأذى كأم نصير التي رحلت مع أول الحمى ولم ينهش الجدري من لحم وجهها شيء! 

انتشر في القرية أغراب متخصصون في الجانب الصحي ارسلتهم الدولة, وشاع في القرى أن من سبق وأصيب بحمى البقر، لا تصبه الإكلة وكانت علامات الإصابة بحمى البقر تشبه تلك البقع التي تغطي مساحة من جسد العنقاء! 

كانت حمى البقر نوع خفيف من الجدري يعطي مناعة لكل من أصيب بها من الجدري القاتل لكنهم لم يفهموا ذلك في خضم الجهل وانعدام المعلومة في ذلك الزمن. 

وأما زوجة نصير وريحانة فقد كانوا ممن سلموا من تلك الرحى وكأن الله قد اطبق عليهم وجاء من رحمته وحجبهم بحجاب العافية. 

عادت العنقاء إلى دارها لتقضي فيه عدتها بعد عبور الموجة الأولى من الوباء وعودة السكينة من جديد. 

وقد ترك الوباء ندوبه على وجوه الناس الذين سلموا كعلامة مؤدب ومربي لا يعرف الهزل. 

كانت تبخر البيت كل يوم بالأعشاب لتعقمه من بواقي الوباء وأحرقت كل ما يتعلق بزوجها الميت وامه العجوز من خرق واغطية ووسادات. 

وما إن انقضت شهور عدتها إلا وبدأت تفكر كيف تنسج حول نصير خيوط المكر والخديعة! 

وبخبث اشد فتكاً من الآكلة قررت أن توقعه في شباكها! 

اقرأ ايضا قصة جولة حول الكعبة 

انقر هنا لقراءة الجزء العاشر من رواية هرارة الرماد


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المسميات اليمنية الجديدة في رواية هرارة الرماد

البتيل/ موسم حرث الأرض الفعل منه يبتل

المقاوتة/ جمع مقوت وهو بائع القات

مشلول معهم/ مأخوذ معهم وهو اعتقاد ان من وجدوا في جنازته ثقلا أن الجن قد أخذوه

المخاوية/ أن لها أخوة من الجن

كلبانية/ فيها ضر من الجن يجعلها شديدة الخطورة

نباش القبور/ حيوان ليلي ينبش القبور ويأكل الموتى


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

رواية هرارة الرماد بقلم الأنامل اليمنية 

"زبيدة شعب"

5 تعليقات

رأيك يهمنا

  1. الله يوفقك وعن جد انتي قمة الذوق والقصه جميله

    ردحذف
    الردود
    1. بالتوفيق القصة جميلة جدآ استمري ربي يحفظك

      حذف
أحدث أقدم